12 يوليو 2024
لبنان .. المواجهة المقبلة
تهوى الدولة اللبنانية السقوط في اختبارات مواطنيها. تقودها عقلية الانحياز للظالم على حساب المظلوم، سواء أكان عميلاً إسرائيلياً تحميه الولايات المتحدة، مثل عامر الفاخوري، أم مقرصناً يلفق تهمة العمالة بناء على أوامر أمنية، أم مصرفاً ينهب أموال صغار المودعين ويمنعهم من الحصول عليها، أم مؤسسة تريد تخفيض رواتب موظفيها أو طردهم وحرمانهم من التعويضات. ما جرى في قضية العميل الفاخوري نموذج. لم تخف الولايات المتحدة، منذ اعتقاله قبل أشهر، أنها تريد استرداده لأنه يحمل جنسيتها. حتى في جلسة الاستماع للسفيرة الأميركية الجديدة، دوروثي شيا، أمام مجلس الشيوخ، كان جزء من الأسئلة ينصب حول ماذا ستفعل من أجل إطلاقه. تعهدت ببذل كل ما في وسعها للإفراج عنه، وبدا أن الحكومة اللبنانية من جهتها أرادت منحها هدية بدء تسلم مهامها في لبنان بإطلاق سراحه. بين عذابات أسرى معتقل الخيام الذين ذاقوا أسوأ الانتهاكات إبّان الاحتلال الإسرائيلي وإرضاء العم سام، اختارت الدولة اللبنانية الأخير. وطبعاً وجدت في القانون ما يبرّر لها فعلتها فكانت ذريعة "انقضاء الزمن على الجرم"، بينما لم تجد في القانون نفسه ما يتيح العفو عن السجناء غير المحظيين سياسياً، أو حتى تسريع محاكماتهم.
وما يحدث في أزمة المصارف اللبنانية مثال آخر لا يقل سوءاً. حتى في لحظة اقتراب إعلانها الإفلاس والتعثر عن سداد الديون، كان السياسيون يواصلون تهريب أموالهم إلى الخارج، فيما كانت المصارف المحلية تبيع السندات التي تمتلكها إلى مؤسسات مالية خارجية، معزّزة نسبة الدين الخارجي على حساب الدين المحلي، من دون أن تجد من يعترض طريقها في المؤسسات الرسمية. ومرة أخرى، كان القانون نفسه يحميها ويوفر لتحالف السلطة والمال الغطاء للعمل على تشريع استمرار تقييد صغار المودعين من التحكّم بأموالهم، ونهب جزء منها.
كل ما يحدث من مخالفات بديهي وحتمي. من يتحكّم بهذه الدولة فئتان، مجموعة من أمراء الحرب الذين جمدت أعمالهم العسكرية بعد اتفاق الطائف، ومنحت لهم "دولة" ليغتنموا منها ما يشاؤون كتعويض. أما الفئة الثانية فالتحقت بهم ولو متأخرة، وأرادت بدورها تعويض ما فاتها من محاصصةٍ سياسية ومالية. ولذلك كله المحصلة في قمة السوء. دولة مهترئة لا يوجد فيها مسؤول يعوّل عليه بالانحياز للمواطنين.
ولذلك أيضاً، تفيد جميع المؤشرات بأن الموجة الجديدة من الغضب الشعبي، المتوقع أن تنفجر قريباً (سواء انتهت سريعاً أزمة وباء كورونا المستجد أم تأخرت) ستكون أكثر اتساعاً وجذرية. منذ اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كانت مطالب المحتجين واضحة. أرادوا تحقيق إصلاحات، فاختارت الطبقة الحاكمة الردّ عليهم باتباع كل استراتيجية متاحة أمامها لزيادة إفقارهم، وإثبات أنها لن تقدّم أي تنازل حقيقي في مجال الإصلاحات. لم يعد المطلوب اليوم فقط الضغط باتجاه تغييرات سياسية أو اقتصادية. لم تثبت هذه الدولة أن فيها مؤسسة غير معطوبة. ما يحتاجه اللبنانيون اليوم تحول جذري، لن يفترض أحد أنه سيكون سهلاً أو ممكناً تحقيقه من دون تكلفة، خصوصاً أن الطبقة الحاكمة لن تفرّط في أي من مكتسباتها أو غنائمها بشكل أدق. ستكون المواجهة في المرحلة مباشرةً، وأكثر وضوحاً، وعلى الأرجح صدامية. لم يعد أمام اللبنانيين خيارات كثيرة، فإما الموت جوعاً وفقراً وذلاً بصمت أو الخروج والمواجهة لتبديل الأحوال.
كل ما يحدث من مخالفات بديهي وحتمي. من يتحكّم بهذه الدولة فئتان، مجموعة من أمراء الحرب الذين جمدت أعمالهم العسكرية بعد اتفاق الطائف، ومنحت لهم "دولة" ليغتنموا منها ما يشاؤون كتعويض. أما الفئة الثانية فالتحقت بهم ولو متأخرة، وأرادت بدورها تعويض ما فاتها من محاصصةٍ سياسية ومالية. ولذلك كله المحصلة في قمة السوء. دولة مهترئة لا يوجد فيها مسؤول يعوّل عليه بالانحياز للمواطنين.
ولذلك أيضاً، تفيد جميع المؤشرات بأن الموجة الجديدة من الغضب الشعبي، المتوقع أن تنفجر قريباً (سواء انتهت سريعاً أزمة وباء كورونا المستجد أم تأخرت) ستكون أكثر اتساعاً وجذرية. منذ اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كانت مطالب المحتجين واضحة. أرادوا تحقيق إصلاحات، فاختارت الطبقة الحاكمة الردّ عليهم باتباع كل استراتيجية متاحة أمامها لزيادة إفقارهم، وإثبات أنها لن تقدّم أي تنازل حقيقي في مجال الإصلاحات. لم يعد المطلوب اليوم فقط الضغط باتجاه تغييرات سياسية أو اقتصادية. لم تثبت هذه الدولة أن فيها مؤسسة غير معطوبة. ما يحتاجه اللبنانيون اليوم تحول جذري، لن يفترض أحد أنه سيكون سهلاً أو ممكناً تحقيقه من دون تكلفة، خصوصاً أن الطبقة الحاكمة لن تفرّط في أي من مكتسباتها أو غنائمها بشكل أدق. ستكون المواجهة في المرحلة مباشرةً، وأكثر وضوحاً، وعلى الأرجح صدامية. لم يعد أمام اللبنانيين خيارات كثيرة، فإما الموت جوعاً وفقراً وذلاً بصمت أو الخروج والمواجهة لتبديل الأحوال.