لبنان .. أوهام الحلول

25 ابريل 2021
+ الخط -

بات اليأس السمة الأبرز في حياة اللبنانيين هذه الأيام، بعدما أصبحوا يسلّمون بأن لا مجال لإصلاح الأوضاع الاقتصادية اليوم من دون حلول أوسع في المنطقة والإقليم. كان الحديث سابقاً يتم عن انفراجاتٍ ممكنةٍ على الصعيد المعيشي في حال تم تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، والتي قاربت محاولات إبصارها النور الستة أشهر من دون أي نجاح يذكر، بل إن الأمور تتجه إلى مزيد من التعقيد. يترقب اللبنانيون اليوم، مع اقتراب نهاية شهر رمضان، مرحلة أسوأ من التدهور الاقتصادي المترافق مع رفع الدعم الحكومي عن سلع وأدوية عديدة، ما يعني أن أسعارا عديدة في طريقها إلى التحليق إلى أضعاف ما هي عليه اليوم، في ظل ثبات قيمة الرواتب للغالبية العظمى من الموظفين الذين يتلقون رواتبهم بالليرة اللبنانية، والتي فقدت نحو عشرة أضعاف قيمتها خلال الأزمة الحالية.

لم يعد هناك مكان للحديث اليوم عن إمكان حدوث انفراجةٍ في حال تمكّن الحريري من تشكيل حكومته، وخصوصاً أن هذا الأمر، وإن كان له بعض الأثر الإيجابي على سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، إلا أنه سيكون أثراً مؤقتاً، خصوصاً أن لا تغيير متوقعاً في المعطيات الاقتصادية الداخلية، سواء نسبة إلى حجم الاحتياطات في المصارف من العملات الصعبة، أو لجهة تدفق المساعدات الخارجية، والتي يقوم عليها أساسا الاقتصاد اللبناني منذ عشرات السنين. فخلال السنوات الماضية، وتحديدا منذ نهاية الحرب الأهلية، لم تعمد الحكومات المتعاقبة إلى الخروج من منطق الاقتصاد الخدماتي، رغم مليارات الدولارات التي دخلت إلى البلاد هباتٍ أو قروضا، ذهبت في غالبيتها في مصارف الفساد الداخلي، ووضعت على فواتير إعادة تأهيل البنى التحتية التي بقيت متهالكة، من دون الدخول في محاولة بناء اقتصاد منتج.

هذا الواقع تدركه المؤسسات الدولية التي يراهن عليها الحاكمون في لبنان لمحاولة الخروج من الأزمة. رهان قائم على مزيد من القروض التي من شأنها إنعاش الخزينة اللبنانية ببعض العملات الصعبة. لكن هذا الخيار لن يكون متاحاً من دون إجراءاتٍ جذريةٍ من الحكم في لبنان، وهو ما تم إبلاغه إلى المسؤولين اللبنانيين. إجراءات اقتصادية ستكون لها تداعيات كبيرة على معيشة المواطنين والمقيمين في البلاد، غير أنه لا يبدو أن هناك مفراً منها، وخصوصاً أن جزءاً منها كان من المفترض أن يحدث قبل عشرات السنوات، وتحديدا في ما يتعلق بتثبيت سعر صرف الليرة، والذي كان عملياً إجراء وهمياً مرتبطاً بقرار سياسي استنزف احتياطات المصرف المركزي.

إضافة إلى التعويل على المؤسسات الدولية، تحاول القوى السياسية اللبنانية ترويج وهم آخر له علاقة بالمساعدات الدولية عموماً، والعربية خصوصاً، والتي يمكن أن تتدفق على لبنان فور فكّ عقدة تشكيل الحكومة اللبنانية. مساعدات، في حال كان هناك مجال لتدفقها، فإنها ستكون مرتبطةً بشروطٍ سياسيةٍ أصعب من تلك الاقتصادية التي تشترطها المؤسسات الدولية، ولا سيما من الدول العربية التي كانت مانحة تاريخيا للبنان، في ظل عجز الدول الأوروبية عن تقديم أي مساعداتٍ حقيقيةٍ مع ما تعيشه هي الأخرى من أزماتٍ اقتصاديةٍ ناتجة عن جائحة كورونا. شروط الدول العربية، ولا سيما الخليجية، باتت واضحة، ولها علاقة بسلطة حزب الله في لبنان، وتوسع دائرة نفوذه إلى ملفاتٍ عديدةٍ في المنطقة، والتي تتعارض، بشكل أو بآخر، مع السياسة الخليجية عموما، والسعودية خصوصا، سيما في ما يتعلق بمحاولة محاصرة إيران اقتصادياً. حصار بات لبنان جزءاً أساسياً منه في ظل القناعة بأن حزب الله، اليد الضاربة لإيران، هو الحاكم الفعلي في لبنان.

ما بين تشكيل الحكومة أو مساعدات المؤسسات الدولية أو الدول المانحة، أوهام حلول لا يمكن لها أن تصرف على أرض الواقع قبل تغيير كثير من موازين القوى المحلية والخارجية. بانتظار ذلك، يبدو لبنان ماضياً في مسار انحداري لا قعر له.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".