لا أفق إلا لبرنامج كفاحي يوحد الفلسطينيين
لا تترك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أي مجال للشك في أن الأفق السياسي لما يسمى "المفاوضات" و"حل الدولتين" و"اتفاق أوسلو" مغلق بالكامل، وأن العلاقة الوحيدة التي يريدها حكام إسرائيل مع السلطة الفلسطينية هي فقط التنسيقان، الأمني والاقتصادي، من دون أي تحسين اقتصادي للفلسطينيين، رغم كل المزاعم والتصريحات المخادعة.
وكما صار واضحاً، لا أفق للمراهنة على أن إدارة الرئيس الأميركي، بايدن، وهذه معلومات مؤكّدة من مصادر موثوقة تماماً، وليست تقديرات، لا تضع القضية الفلسطينية والمفاوضات ضمن جدول أولوياتها، بل تنشغل بخلافاتها الاستراتيجية مع الصين وروسيا، وتحاول على المدى القريب الانتهاء من ملف تجديد الاتفاق النووي مع إيران، لتتفرغ لما تسميها التحديات الاستراتيجية، ولا يبقى، بعد ذلك، سوى تصريحات عابرة، تلمح بخجل إلى "حل الدولتين" من دون أي التزام بالضغط على إسرائيل، مع مواصلة تبنّي سياسة الحرص الشديد على عدم التعرّض للحكومة الإسرائيلية بحجة هشاشتها، وقابليتها للانهيار، بل هناك اشتباه يتكرّر، أن الإدارة الأميركية عقدت تفاهماً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بنيت، بألا يقف في وجه الاتفاق مع إيران، مقابل عدم تعرّض الإدارة للموضوع الفلسطيني، أو اتخاذ أي إجراءات فعلية ضد الاستيطان.
الصراع على السلطة عديم المعنى بحكم كونها، بكل أجزائها، مثل الشعب الفلسطيني، تحت الاحتلال
وللأسف الشديد، جاء اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير، ليضيف مزيداً من الخلافات للساحة الفلسطينية، بدل أن يكون، بالحوار الوطني البناء، فرصةً لإعادة شقّ طريق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، ولم يظهر بعد اجتماع المجلس، على الرغم من دعوات إلى تأجيله، ما يدعو إلى الاعتقاد بأن قراراته، وقرارات المجالس السابقة، ستنفذ، بل إنها أحيلت، كالعادة، إلى اللجنة التنفيذية لوضع ما سمّيت "آليات التنفيذ". وترافق ذلك مع تصريحات لمسؤولين فلسطينيين بمنح مهلة جديدة حتى نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، قبل التفكير في تنفيذ أيٍّ من القرارات والتهديدات، التي تتحوّل إلى مجرد حبر على ورق.
لا يمكن للمراوحة في المكان، ومواصلة سياسة انتظار الفرج من الآخرين، أن تؤدّي إلى أي تغيير جدّي في الوضع القائم، و/ أو وقف ما تقوم به إسرائيل من استيطان وضم وتهويد تدريجي، وتطبيق فعلي لصفقة القرن، ومحاولاتها استغلال حالة الانقسام والتطبيع العربي، لتعميق الاختلال في ميزان القوى لمصلحتها. وذلك كله يجري في ظل ثلاثة ظواهر مهمة للغاية: تعاظم روح النضال الكفاحية لدى الشعب الفلسطيني، وخصوصا لدى الشباب، ليس في الأراضي المحتلة عام 1967 فقط، بل وفي الداخل (أراضي 1948) أيضاً. الانخراط المتعاظم للشباب الفلسطيني في الخارج في مواجهة اللوبي الصهيوني، وفي دعم حركة المقاطعة وفرض العقوبات، والاستعداد العالي لدى الجاليات الفلسطينية للاندماج في النضال الفلسطيني. تعاظم فرص عزل حكام إسرائيل، بفضل وسمها بنظام الاضطهاد والتمييز العنصري (الأبارتهايد)، وعدم قدرة اللوبي الإسرائيلي على نفي صفة الأبارتهايد، رغم كل ما يقوم به من محاولات.
جاء اجتماع المجلس المركزي ليضيف مزيداً من الخلافات للساحة الفلسطينية
وبدل مواصلة سياسة الانتظار، والتعلق بأوهام فرص المفاوضات، تنشأ موضوعياً قناعة عميقة، بضرورة مواجهة الأمر الواقع الإسرائيلي بأمر واقع فلسطيني، وتفعيل النضال والمقاومة الوطنية على الأرض، ما سيلهب ويصعد نشاطات التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، بما في ذلك حركات عزل نظام الأبارتهايد والاحتلال والتمييز العنصري ومقاطعته. وما من شك، أن إسرائيل تحاول فرض هيمنتها عبر تكريس الحصار الشامل على قطاع غزة، وفرض سلطتها على كامل مناطق الضفة الغربية، من دون أدنى اعتبار للاتفاقيات التي خرقتها منذ زمن بعيد، وذلك ما تعنيه عمليات اقتحام المدن الفلسطينية، بما في ذلك عملية الاغتيال الإجرامية للمناضلين الثلاثة في قلب نابلس.
وفي وضع كهذا، يغدو الصراع على السلطة عديم المعنى بحكم كونها، بكل أجزائها، مثل الشعب الفلسطيني، تحت الاحتلال، ويصبح النضال المشترك هو الأداة الفعّالة، كما جرى خلال الانتفاضة، لبناء وحدة وطنية قادرة ودائمة. ولعل العبرة الكبرى من تجربة 28 عاماً بعد توقيع اتفاق أوسلو أن أكبر الأخطاء، غير توقيع الاتفاق نفسه، كان احتواء السلطة منظمة التحرير الفلسطينية، ودمج العمل الوطني والكفاحي بهياكل السلطة التي بقيت تحت الاحتلال، محكومة بقواعد اتفاق ظالم، يخرقه الاحتلال كيفما أراد وأينما أراد. ولذلك، المخرج الحقيقي من الوضع القائم، والاختلال في ميزان القوى، والانقسام الداخلي المؤسف، والخلافات التي تتفاقم، هو الاتحاد حول برنامج نضال وطني كفاحي، يجمع بين كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والأراضي المحتلة، ويعيد الهيبة لحركة التحرر الوطني، وذلك يتطلب أيضاً إعادة النظر جذرياً في وظائف السلطة الفلسطينية، وإنهاء هيمتنها على منظمة التحرير ومكوناتها. ويتطلب الوصول إلى ذلك كله التوافق على ثلاثة شروط أساسية: أن قاعدة الوحدة هي البرنامج الوطني الكفاحي. أن النجاح مشروط بالقبول بمبدأ الشراكة الديمقراطية ومنع أي شكل من التفرد، والقبول بمبدأ إنشاء قيادة وطنية موحدة للشعب الفلسطيني، ومكانها الطبيعي منظمة التحرير المتحرّرة من قيود السلطة. الاعتراف بحق الشعب الديمقراطي وتطبيقه من خلال انتخاب قياداته للمجلس الوطني والتشريعي والرئاسة.
هناك تحدّيات، وهناك فرص عظيمة، ولكن الأفق الوحيد المتاح هو لبرنامج وطني كفاحي يعيد توحيد الفلسطينيين كافة.