كيف يفكّر نتنياهو للبقاء في السلطة؟
نشرت صحيفة هآرتس، 11 فبراير/ شباط الجاري، نتائج استطلاعي رأي عن توقعات ما يمكن أن تحصل عليه الأحزاب والقوى السياسية في الانتخابات فيما لو جرت الآن، ويعود الاستطلاعان لموقعي القناتين 12 و13 الصهيونيتين. ومن الضروري قراءة نتائجهما ومقارنتهما بنتائج استطلاعات سابقة منذ بدأت عملية طوفان الأقصى، لنضع تصوّرا عما يدور في ذهن نتنياهو وكيف يفكّر للبقاء في السلطة.
لا يختلف استطلاع القناة 12 عن استطلاع القناة 13 في نتيجة حزبي معسكر الدولة (الرسمي) بقيادة بيني غانتس 37 مقعدا، وحزب الليكود بقيادة نتنياهو 18 مقعدا، كما أنهما لا يختلفان في حصول حزب "يوجد مستقبل" بقيادة يئير لبيد على المركز الثالث، لكنه يحصل على 15 مقعدا في استطلاع القناة 12، و13 فقط في استطلاع القناة 13، كما أنهما لا يختلفان أيضا في إظهار اندثار اليسار أكثر؛ فحزب ميرتس قد يحصل على أربعة مقاعد، أما حزب العمل فلا يتجاوز عتبة دخول الكنيست. أما الاختلاف الأكبر بين الاستطلاعين فيرتبط بالنتيجة المحتملة لحزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش؛ فبينما لا يتخطّى عتبة دخول الكنيست في استطلاع القناة 12 (أربعة مقاعد)، يحصل على ستة مقاعد في استطلاع القناة 13. وفي المجمل، يحصل نتنياهو وحلفاؤه (عوتسماه يهوديت، شاس، يهدوت هتوراه، الصهيونية الدينية)، على 45 مقعدا فقط في استطلاع القناة 12، بينما تزيد هذه المقاعد قليلا إلى 48 مقعدا في استطلاع القناة 13.
تظهر هذه النتائج أن نتنياهو قد يغادر الحياة السياسية فور استسلامه لضغوط معارضيه، لكنه، وبسبب تمسّكه بالسلطة حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة لن يستسلم لأيٍّ من هذه الضغوط، وهو بهذا يختلف عن قادة سابقين تأثر تاريخُهم السياسي على وقع حروبٍ كبيرة أظهرت فشلا إسرائيليا؛ مثل غولدا مائير التي استقالت من رئاسة الوزراء في إبريل/ نيسان 1974، لتنتهي حياتها السياسية بعد أشهر قليلة من حرب أكتوبر/ تشرين الأول (1973)، ومثل إيهود أولمرت الذي تدنّت شعبيته على خلفية الفشل في حرب لبنان الثانية، يوليو/ تموز 2006، حتى استقال في 2009. ووجه الاختلاف أن نتنياهو أكثر تشبثا بمنصبه، وسوف يكافح إلى الرمق الأخير في حياته للبقاء في السلطة، وهو يراهن على أمرين يحتاجان إلى تفصيل؛ أحدهما عامل الوقت، والآخر طبيعة بني غانتس وصفاته الشخصية.
يبدو الأقرب لدى نتنياهو وحزب الليكود تأخير الانتخابات أطول فترة ممكنة، وهذا تأخير مرتبطٌ باستمرار الحرب
يبدو رهان نتنياهو على عامل الوقت ناجحا، حتى اللحظة، إذا ما قارنا نتائج الاستطلاعين بنتائج سابقة أجريت في مستهل معركة طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على غزّة؛ وهي مقارنة تبيّن أن معسكر الدولة بقيادة غانتس يتراجع كلما استمرّت الحرب أكثر؛ فقد كانت التوقّعات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أي بعد شهر من اندلاع الأحداث، تعطي حزبه 43 مقعدا، بينما كانت المقاعد المتوقعة في ذلك الوقت لقوى الائتلاف الحاكم مجتمعة 41 مقعدا فقط، رغم بقاء حزب الليكود عند حاجز 18 مقعدا مثلما هو الوضع حاليا، وكذلك حزب يوجد مستقبل عند حاجز 13 مقعدا في الحالتين.
وتكشف المقارنة أيضا أن قوى الائتلاف، رغم استمرار تراجعها عن نتائج آخر انتخابات في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، فإنها تعيد تنظيم نفسها، وهذا واضح إذا قارنّا 41 مقعدا في نوفمبر، بـ45 أو 48 مقعدا حاليا. ترجح هذه النتائج أن استمرار الحرب ليس في صالح المعارضة، لأن الناس بطبيعتها تنسى مع طول الوقت ما حدث من فشل، خصوصا في ظلّ ما يروّجه القائمون على الدولة من إنجازات عسكرية، وما تحرص عليه قوى الائتلاف حتى اللحظة من ربط الفشل بالقيادات العسكرية والاستخبارية والتبرّؤ من التقصير. وعلى هذا الأساس، يبدو الأقرب لدى نتنياهو وحزب الليكود تأخير الانتخابات أطول فترة ممكنة، وهذا التأخير مرتبطٌ باستمرار الحرب وعدم توقفها، لأن توقف الحرب يعني الذهاب نحو انتخابات مبكّرة أسرع مما يريد نتنياهو. وتتفق سياسة رئيس الوزراء الساعية إلى تأخير الانتخابات قدر ما يستطيع، مع مقال كتبته الصحافية في "معاريف" آنا برسكي، في 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن تقدّم غانتس بـ43 مقعدا، وبلوغه سقف التوقّعات التي سيبدأ بعدها في التراجع، وأنه كان عليه، في ذلك الوقت، التفكير في الانسحاب. وقد أثبتت الأيام منطقية ما ذهبت إليه برسكي.
الشهور الأربعة الماضية كانت كفيلة بإحداث التغيير في خطاب الاستمرار، ولا شك أنه قد أخذ دفعة كبيرة بعد عملية تحرير الأسيريْن الإسرائيليين
كان وزير الحرب وعضو الليكود يوآف غالانت قد اقترح في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي أن تعقد انتخابات الكنيست المقبلة مبكّرا بعد سنتين، أو بعد ستة أشهر من نهاية الحرب، أيهما أقرب. ويُعتقد أن غالانت، بمقترحه ذاك، كان يحاول تحييد العامل السياسي داخل مجلس الحرب؛ على أساس خوف نتنياهو من انسحاب غانتس وتفكّك الحكومة، وخوف غانتس في المقابل من عرقلة نتنياهو الانتخابات. وبهذا يسحب مقترح غالانت فتيل الأزمة عن موعد الانتخابات، غير أن نتنياهو سارع، في أحاديث مغلقة، طبقا لصحيفة سروجيم، الناطقة باسم الصهيونية الدينية، بالقول "لن تُعقد انتخابات الكنيست قبل إبريل 2025"، وهو ما يعني أنه سيماطل، قدر استطاعته، كي تستكمل الحكومة مدّتها المحدّدة قانونا، ويؤكّد ذلك حديث أعضاء في الليكود أن القانون قد حدّد موعد الانتخابات، وهذا يعني استكمال الحكومة مدّتها. ولكي يكتمل هذا السيناريو، سيظلّ نتنياهو متمسّكا بحلفائه الأصليين، بن غفير وسموتريتش وحزبيْهما، وليس المؤقتّين، بني غانتس وأيزنكوت. كما أنه لهذا السبب لم يقع في فخ يائير لبيد الذي أعلن أنه سيدعمه إذا قرّر حلفاؤه في الائتلاف الانسحاب من الحكومة، في حال ذهب إلى صفقة تبادل أسرى، واضطرّ لوقف الحرب.
إذا عدنا إلى بداية الأحداث، نجد أن نتنياهو لم يكن يجرُؤ حينها، وكذلك أي وزيرٍ في "الائتلاف"، أو عضو في "الليكود"، على التصريح باستكمال الحكومة مدّتها، وكان أقصى ما يعلن هو ضرورة التركيز في الحرب، وأن الأزمة تحتاج وحدة الجميع. أما مناقشة مسألة الانتخابات المبكّرة فيمكن تأجيلها إلى ما بعد انتهاء الحرب، نظراً إلى ما تمر به البلاد. لكن الشهور الأربعة الماضية كانت كفيلة بإحداث هذا التغيير الواضح في خطاب الاستمرار، ولا شك أنه قد أخذ دفعة كبيرة بعد عملية تحرير الأسيريْن الإسرائيليين.
غانتس أصبح معتادا على التعرّض للخديعة من نتنياهو تحديدا؛ ولن يكون خداع نتنياهو له في الأسابيع أو الشهور المقبلة المرّة الأولى
العامل الآخر الذي ينطلق منه نتنياهو قراءته الجيدة شخصيات منافسيه، وخصوصا غانتس الذي يتقدّم في الاستطلاعات، من دون أن يحسن استغلال الفرص، كما أنه يسهل خداعه. وهو سياسي لا يبدو مؤهّلا للقيادة، أو كما وصفه الصحافي في موقع زمن يسرائيل عميرام جيل رجل مولع بالاستطلاعات، لكنه يخشى التقدّم إلى القيادة في لحظات الحقيقة، ويبدو أن هذه الصفة لن تتغيّر فيه، فهو يمثل نمطا، يخشى فيه من فقدان لقب "رئيس الوزراء المقبل" الذي ينالُه عبر الاستطلاعات، وما يصاحبه من شعبية. ومن هنا، الأفضل له ألا يخاطر بالهبوط إلى أرض الواقع، والبقاء في عالم التوقعات. وهكذا، يختار زعيم معسكر الدولة، غانتس، تفويت فرصة إظهار قدرته على القيادة في كل مرّة من أجل أن يثبت للجميع أنه مخلصٌ لتسمية حزبه، فهو رجل الدولة، أو الدولجي، الذي يراعي قوى اليمين والمتدينين المتطرّفين. ومن الواضح أن نتنياهو قد فهم شخصية غانتس جيدا، الذي يعلم أن رئيس الوزراء الحالي يستخدمه ورقة التوت للحفاظ على مقعده، ومع ذلك يستمر في التأكيد على أنه لن يغادر حكومة الحرب، رغم كل المشكلات والصعوبات والهجوم الذي يتعرّض له من نتنياهو وبن غفير وسموتريتش.
وأضيف هنا أن غانتس أصبح معتادا على التعرّض للخديعة من نتنياهو تحديدا؛ ولن يكون خداع نتنياهو له في الأسابيع أو الشهور المقبلة المرّة الأولى، فقد سبق أن خدعه حينما شكلا معا حكومة ائتلافية يتناوبان فيها على رئاسة الوزراء، في مايو/ أيار 2020، حيث استمرّت الحكومة برئاسة نتنياهو 13 شهرا، ثم تم حل الحكومة في يونيو/ حزيران 2021 قبل أن يبدأ غانتس ولايته. ويفيد سير الأحداث بأن غانتس سيدرك متأخّرا، بعد أن يفقد مزيدا من التأييد الشعبي الحالي له بمرور الوقت، أن نتنياهو قد خدعه للمرّة الثانية. المثير هنا أن جميع معارضي نتنياهو يفهمون ذلك كله، لكنهم يبدون قليلي الحيلة أمامه، أو ربما قد عدموها تماما.