كل هذه الكتب...

05 مايو 2014

Dusica Paripovic

+ الخط -
يقولون إن انحساراً مريعاً يحدث للقراءة في مجتمعاتنا العربية، وإن توزيع الكتاب بالعربية وانتشاره محدودان، كما "مقروئيّته"، ويأتونك بإحصائياتٍ وتقارير لليونسكو، وغيرها، تؤشر إلى ندرة عادة القراءة لدينا، نحن العرب، دون غيرنا من الأمم، على ما يزيدون ويعيدون في الكلام إيّاه، في هذا الخصوص. تُسلّم بهذه "الحقائق؟"، وتُشارك الكثيرين في هذا الندب الغزير، والذي يأخذك إلى مسؤولية عن هذا الحال تقع على التخلّف الوفير الذي نرفل فيه. وعندما تجلس إلى أي ناشر عربي لن تسمع غير الشكوى من قلّة البيع والتوزيع. أما الكتّاب العرب فلا يكفّون عن الحديث المسهب عن "جشع" الناشرين، وأكلهم حقوق المؤلفين. لن تتعب نفسك في التثبُّت من الصح والغلط في كلام هؤلاء وأولئك، ببساطةٍ، لأن دور النشر في بلادنا العربية تتزايد باضطراد، ولأن إصدارات الكتّاب من منتوجات الشعر والرواية والبحوث والدراسات والفنون لا تتوقف.
تحضر زوبعةُ أسئلة من هذا الطراز إلى بالك، وأنت تتجوّل، كيفما اتّفق، بين أجنحة أكثر من ألف ناشر عربي وأجنحة دور نشر أجنبية، سويدية خصوصاً، في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب. تسأل أصدقاء ومعارف وزملاء ناشرين عن أحوال البيع والإقبال على شراء ما لديهم من إصداراتٍ متنوعة، فلا يشعرونك بسرورهم من شيء، فتعجب من دأبهم السنوي على الحضور والمشاركة في هذا المعرض الكبير، والمتقن في تنظيمه، والذي وصل هذه السنة إلى دورته الرابعة والعشرين. سمعت منهم، ومن غيرهم، هذا التبرّم، العام الماضي، في أبو ظبي، وقبل شهور في الدوحة والشارقة وعمّان، ونظنّه لم يغادرهم في معارض القاهرة وبيروت والرياض ومسقط. والبادي أنهم لو يخسرون، ولا يرضيهم الحال، لن يجدوا أنفسهم مضطرين إلى "تجشّم عناء السفر"، على ما تكرّر الرطانة إياها، ولا إلى تحمُّل مشاق شحن "البضاعة" وتكاليفها.
ليست شعوبنا ومجتمعاتنا قارئة، في العموم، هذه بديهية ملحوظة، ونحسب أن هذا الحال يعود إلى أسبابٍ تتصل بالتربية والتعليم والتنشئة، وأيضاً بمفاعيل اقتصادية واجتماعية عويصةٍ ربما. غير أن الركون إلى هذه البديهية لا ييسّر تظهيراً للمسألة كلها، لأن عدد دور النشر في الأردن يفوق عددها في بريطانيا، ولأن الكتب التي تصدر في مصر سنوياً تفوق ما يصدر في أميركا، ولأن معارض الكتب تنتظم سنوياً في العواصم والحواضر العربية، وزوار معرض أبو ظبي العام الماضي زادوا، في أيامه الستة، عن 225 ألف، وإذا لم يكونوا كلهم من مشتري الكتب والموسوعات والمؤلفات المتنوعة، فإن بهجتهم بالكتب مؤكدة، وكذا بأجواء المعرض واحتفالياته والأنشطة والندوات المتعددة المصاحبة لعرض الكتب وبيعها وترويجها. وأن تسمع صاحبة دار نشر، تقصر إصداراتها على كتب مترجمة، تقول إنّ قرصنةً حدثت لكتاب أصدرته، ارتكبتها الدار الفلانية، وأن تسمع شكوى صاحبة دار نشر أخرى من طباعة الناشر الفلاني رواية أصدرتها من روايات جائزة بوكر، من دون احترام حقوق أو تقدير خسائر، فذلك القول وتلك الشكوى يعنيان أن صناعة النشر في بلادنا العربية مربحة.
لا تزيّد في الزعم أن صناعة النشر في بلادنا العربية مجزية إذا ما بادر إليها مَن يحترفها، ومَن يخلص لها، ومَن يتقنها، وإذا ما ساندتها الحكومات العربية بدعم الإصدارات وتيسير توفير الكتب الجديدة في الجامعات والمدارس والمكتبات العامة، وإذا ما تم ذلك كله في بيئات تشجع على القراءة والمطالعة، وتنمية مواهب الكتابة، وتحفيز الناشئة على تنمية مداركهم وخيالهم، وتثمير قدراتهم، بالعلم والمعرفة. كثير من مظاهر تحبيب القراءة لدى الجمهور حضرت في معرض أبو ظبي، كما تحضر في كل عام، وفي غير تظاهرة واحتفالية عربية بالكتاب. وفي هذه المواسم، المحبّبة إلى كاتب هذه السطور، يخطر السؤال عن عديد السنوات التي تحتاجها قراءة كل هذه الكتب، أو السياحة في فضاءاتها وعوالمها ومشاغلها فحسب.. 
  
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.