قيصر وحكايات المعتقلين

05 يوليو 2020
+ الخط -

أثارت الصور التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، بَعد سريان مفعول قانون قيصر، ذعرا وألما كثيريْن في نفوس أهالي المعتقلين في سورية، وبدأ الناس يتناقلون حكاياتٍ مؤلمة عن الصدمات التي تلقاها أهل معتقل ما، تأكّدوا من وجود صورة ابنهم بين المقتولين تحت التعذيب، ويصفون الراحة النفسية العظيمة التي تتحقق لآخرين لم يعثروا على صورة ابنهم بينها. يجدر بنا أن نوضح للقراء العرب أن للمعتقلين في سورية طبقات. ثمّة معتقل يعرف أهلُه مكانَه، وتاريخ اعتقاله، وكم أمضى في فرع المخابرات الذي اعتقله، ومتى نُقل إلى فرع فلسطين، ومتى أرسل إلى سجن صيدنايا ليمضي فيه سنوات حكمه، بل ويحق لهم زيارته والتحدّث معه وجهاً لوجه. ذكرتُ سجن صيدنايا لأن هذا السجن معلن، والسلطات الأمنية السورية تسمح لمنظمات حقوق الإنسان العالمية بزيارته، وتفتيشه، في بعض الأحيان، بخلاف سجن تدمر الصحراوي الذي كان يكتظ بألوف المعتقلين السياسيين، ومع ذلك كان النظام الأسدي الفاشي ينكر وجودهم. وقد روى ناجٍ من معتقل تدمر ممن كتبوا على بابه "يا داخل هذا المكان إنسَ الزمان" حادثةً قديمة، ملخصها أن السجانين أمروا المساجين بالتجمع في ساحات السجن، ووضعوا لهم شاشات تلفزيونية ليحضروا مقابلة تلفزيونية تجريها محطة تلفزيونية أميركية مع حافظ الأسد، فشاهدوها بالفعل، وأصيبوا بالذهول، وكل واحدٍ منهم وضع يده على رأسه، عندما يسأل الصحافي الأميركي حافظاً عما تتداوله التقارير الاستخباراتية العالمية عن وجود عدد هائل من معتقلي الرأي في سورية فيقول: أبداً، في سورية لا يوجد معتقل رأي واحد! ولكن، كما تعلم، نحن دولة قانون، والقانون يحكم بالسجن على من يخالف الأنظمة، لهذا توجد السجون، سواء في سورية أو في أية دولة. 

وليس بالضرورة إطلاق سراح أي معتقل مع انتهاء مدة حكمه، إذ لا بد أن ينام بضعة أشهر، وأحياناً بضع سنوات زائدة عن قرار الحكم. (إذا أردنا، هنا، أن ننشئ دعابة سوداء نسمّي هذه المدة الزائدة: إكرامية). وهناك المعتقل المفقود، وهذا تصنيف ينطبق، حقيقةً، على معظم المعتقلين السوريين. وينقسم إلى أنواع. مفقود لا تعترف به السلطات الأمنية السورية، فعلى الرغم من كثرة الجهات الأمنية، وتفرّعها، واستقلالية كل منها عن الآخر، تتفق، في بعض الأحيان، على جوابٍ واحدٍ تعطيه لذويه هو: إبنك مو عندنا. من هذه الطبقة الدكتور عبد العزيز الخير الذي تدخلت لأجله أكبر دولة داعمة لعصابة الأسد، أعني روسيا، من دون جدوى. وكذلك الحال بخصوص زكي كورديللو، ومهيار كورديللو، وعدنان زراعي. والمرجّح في مثل هذه الحالة أن يكون أحد الفروع قد صفاه، وهذا ما لا نتمناه لأي سوريٍّ أو غير سوري. وهناك المفقود الذي يلعب الأمل دوره في تحويل أهل المعتقل، خلال فترة اعتقاله، إلى خبراء في السجون والمعتقلات والمعتقلين وضباط الأمن والعناصر، وكل ما يتفرّع عن هذا العالم العجيب.

الحكاية الأجمل هي التي يرويها الحقوقي والإعلامي، المعتقل السابق، شيار خليل، عن سيدة حلبية كانت تتواصل معه بخصوص ابنها المعتقل منذ تسع سنوات. سألته: إشي الأخبار؟ فأخبرها أن النظام اليوم أطلق سراح خمسين معتقلاً، ولكن ابنها ليس بينهم، فجميعهم من درعا. المرأة المتعلقة بأهداب الأمل طلبت منه صورهم، لتطلع عليها. والمفاجأة التي تكاد ألّا تصدق هي أنها عثرت على صورة ابنها بينهم. وضعت فوق الصورة دائرة، وأعادتها لشيار، وكتبت له: يقبرني إن شالله، متغير شوي. بس كويس إنه طلع. أنا رايحة أطير من الفرح. ولكن .. بعد أقل من ساعة اتصلت به وهي تبكي، وأخبرته أنهم أعادوه إلى المعتقل بحجة وجود خطأ في الأوراق .. وقالت:

- مع هيك أنا فرحانة. يعني هاد الخطأ بيتصحح، وأكيد عن قريب راح يطالعوه!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...