قمّة تحصيل حاصل

31 أكتوبر 2022
+ الخط -

تبدأ غداً الثلاثاء، الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، أعمال القمة العربية رقم 31 التي تستضيفها الجزائر على مدى يومين، وهي القمّة المؤجّلة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقد بذلت الجزائر جهوداً دؤوبة لعقدها، فقامت باتصالات واسعة ومكثفة لتقريب المواقف وتجسير الفجوات بين الدول العربية. ونجحت في الوصول إلى حدٍّ أدنى ليس من التفاهم، وإنما من "التغاضي"، أي الصمت المتبادل عن مواقف متعارضة. لذلك جاء انعقاد القمّة بصعوبة شديدة، كما لو كانت ولادة قيصرية. والسبب المباشر غياب الاتفاق، بل حتى التوافق، بشأن القضايا الرئيسية المطروحة، التي يُفترض أنها كانت، في يومٍ ما، محلّ إجماع، ثم صارت محلّ اتفاق الأغلبية، قبل أن تبتعد تدريجياً حتى باتت محل اختلافات وخلافات. ومن المفارقات العربية أن القضايا المصيرية والجوهرية لأمة العرب ككل هي التي تشهد ذروة الخلافات، وليست القضايا الأقل أهمية.
وليس هذا تطوّراً جديداً على جامعة الدول العربية ومؤتمراتها، فكثيراً ما كان الاختلاف سيد الموقف في القمم العربية. ودائماً كان تفويت المواقف أحد أبرز المخارج من ظهور الخلافات إلى العلن. ولذلك كانت نتائج القمم دائماً باهتة بخصوص بعض القضايا الخلافية، بل وأيضاً القضايا والتحدّيات التي كانت تحظى بتوافق عربي عام من حيث المبدأ، إذ طاولتها الخلافات هي الأخرى، ولكن حول أسلوب التعاطي وأدوات التصدّي لها، غير أن الأعوام الأخيرة شهدت تطوريْن متوازيين: تفاقم التحدّيات وازدياد المخاطر وتعقد القضايا الملحّة والعاجلة، بحيث لم يعد من السهل السكوت عنها أو تمريرها بشكل محايد أو عام، سواء في جداول الأعمال أو في بيانات القمم العربية. واتساع الفجوة بين مواقف الدول العربية بشأن تلك المسائل، إلى حدّ أنها باتت سبباً في خلافات مباشرة وعلنية بين الدول العربية، خصوصاً مع ارتباط بعض تلك المسائل بمصالح حيوية، بل وبأمن بعض الدول.
ووسط هذا المناخ المحتقن والمتناقض معاً، تلقّفت الدول العربية أحداثاً طارئة مثل جائحة كورونا، لتتذرع بها وتؤجل انعقاد القمة العربية منذ عام 2019، ثم عادت لتؤجلها من مارس/ آذار 2022 إلى نوفمبر/ تشرين الثاني بعد نشوب الأزمة الأوكرانية وانقسام المواقف بشأنها وتباين السياسات والتحرّكات الخاصة بكل دولة عربية تجاه أطراف الأزمة المباشرين، سواء روسيا أو أوكرانيا ومن ورائها الدول الغربية. 
نجحت الجزائر في لملمة المواقف إزاء انعقاد القمة والمشاركة فيها، وتمكّنت من إحداث اختراق في أحد أهم الملفات العربية الشائكة والمزمنة، وهو المصالحة الفلسطينية المفتقدة منذ عقود. وبافتراض صمود الاتفاق الذي رعته الجزائر بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية هناك ملفات كثيرة تنتظر تجسير الفجوات بين الدول العربية. وهذه هي المهمة الأصعب، الوصول إلى نتائج فعّالة وحقيقية بشأن التحدّيات والتهديدات ضد الواقع العربي، والتي تبدأ بتراجع القضية الفلسطينية عن قائمة الأولويات العربية، وتشمل الموقف العربي من إسرائيل وإيران، والإدارة العربية للأزمات والنزاعات في ليبيا واليمن وسورية، ولا تنتهي عند الانكشاف الغذائي العربي الذي جعل شعوباً في الصومال واليمن وسورية توشك على المجاعة.
ولا توجد أي إشارات في الواقع العربي إلى خروج قمة الجزائر بنتائج عملية قابلة للتنفيذ. ليس فقط لغياب قادة دول محورية عن القمة، لكن لصعوبة التوصل إلى صيغة توافقية حول القضايا المهمة المطروحة. ربما باستثناء تناول الدوريْن الإيراني والتركي في المنطقة، اللذين تراهما معظم الدول العربية تهديداً مباشراً لأمنها ومصالحها. وحتى في هذين الملفين، لا يُنتظر موقف عربي أبعد من بيانٍ ينتقد طهران وأنقرة بلغة عقلانية، من دون إجراءات عملية أو حتى توصياتٍ ربما تؤيدها بعض الدول العربية، ثم لا تلتزم بها.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.