قراءة في بيان عمّان
شكّل اجتماع عمّان التشاوري، الاثنين الماضي، وجمع وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن بوزير خارجية النظام السوري، أول تدخّل عربي مباشر لحل الأزمة السورية منذ 12 عاماً. وتعود آخر محاولة عربية بهذا الخصوص إلى أواخر عام 2011، عندما طرحت جامعة الدول العربية مبادرتها الأولى للحل في شهر سبتمبر/ أيلول، ثم أتبعتْها بمبادرة ثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه. وبفشلها في احتواء الازمة، دع جانباً حلّها، علقت الجامعة عضوية سورية فيها، واستقالت من التزاماتها نحوها بتركها تنزلق نحو الحرب والتدويل. وبغياب الدور العربي، تحوّلت سورية في الفترة بين 2012 - 2016 إلى مادة لمفاوضات روسية أميركية، خضعت كلياً لتقلبات العلاقة بين موسكو وواشنطن، التي تعقدت بشدّة مع اندلاع الأزمة الأوكرانية (2013 - 2014). وبوصول دونالد ترامب إلى الحكم، وغياب أي اهتمام لإدارته بها، استأثرت روسيا وتركيا وإيران بتقرير مستقبل سورية في إطار مسار أستانا الذي تأسّس مطلع عام 2017 على خلفية التفاهم الروسي التركي حول حلب، وتحول ثلاثياً مع انضمام إيران إليه. منذ ذلك الحين، عُقد في إطار أستانة 19 اجتماعاً، حضر الأردن بعضها بصفة مراقب! ليتوارى بذلك الدور العربي كلياً عن المشهد السوري. وباستثناء الإشارات الشكلية التي كانت ترد في بيانات القمم العربية عن ضرورة "إيجاد حلّ سياسيٍّ للأزمة السورية"، لم يسجّل حضور عربي فعلي في النقاش الإقليمي والدولي حول سورية منذ مطلع عام 2012.
استمرّ الوضع على هذا النحو حتى 2022، عندما بدأت تبرز إفرازات جديدة للأزمة السورية غير ظاهرة المليشيات، والجماعات المتطرّفة، واللجوء، إذ زاد عليها تحوّل سورية إلى مصدر رئيس لإنتاج المخدّرات التي أخذت تغزو أسواق المنطقة والعالم. بناءً عليه، أطلق الأردن، الأكثر تضرّراً من الأزمة السورية، مبادرة "خطوة مقابل خطوة"، دعا فيها إلى الانفتاح على النظام السوري ومحاولة الحصول على تعاونه في حلّ الأزمة بأبعادها الإنسانية (مسألة اللاجئين خصوصاً) والأمنية (المخدّرات وتهريب السلاح، ووجود المليشيات الإيرانية على حدوده) والسياسية (المتمثلة بإيجاد حلّ توافقي يحفظ لسورية استقلالها ووحدة أراضيها ويعيدها إلى محيطها العربي). على الأثر، دعت السعودية التي تحتضن القمة العربية الـ 32 في 19 شهر مايو/ أيار الجاري، وتريد تحقيق إنجاز ما فيها، إلى اجتماع جدّة أخيراً ناقشت فيه مع بقية دول الخليج إضافة إلى مصر والأردن والعراق شروط عودة سورية إلى جامعة الدول العربية وتفعيل الدور العربي في حلّ أزمتها. وكان اجتماع عمّان، على ما أفاد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الأول في سلسلة اجتماعات أُقرَّت في جدّة، وتهدف إلى وضع برنامج لحل الأزمة السورية، يجري وفقه ربط عملية تطبيع وضع سورية العربي وإعادتها إلى جامعة الدول العربية بتجاوب النظام مع متطلبات الحل، بحسب ما فُهم من بيان عمّان.
وبحسب البيان نفسه، حُدِّدَت ثلاثة مسارات لحل الأزمة: إنسانية وأمنية وسياسية، وأُعطيَت أولوية للأول والثاني، فيما جرت الإشارة عرضاً إلى الثالث، باعتباره الأكثر تعقيداً والأقل احتمالاً لتقديم النظام تنازلاتٍ بشأنه، وجاءت الإشارة إليه بصيغة دعوة إلى "استئناف أعمال اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن"، وذلك رغم تنويه البيان في مقدّمته بقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يعدّه كثيرون مفتاح حل الأزمة السورية. واقتصرت الخطوات العملية، في حقيقة الأمر، على المسار الأمني المرتبط خصوصاً بإنتاج المخدّرات وتهريبها عبر الحدود، حيث كان الاتفاق على إنشاء فريق سياسي - أمني أردني - عراقي - سوري، خلال شهر، لإنهاء عمليات التهريب عبر الحدود. أما بخصوص الملف الإنساني، فقد انصبّ التركيز على تهيئة الأرضية لتحقيق العودة "الآمنة والطوعية" للاجئين، ووُضعَت في إطار "مشروع التعافي المبكّر" الذي نصّ عليه قرار مجلس الأمن رقم 2642، بما يحول دون الاصطدام بحائط العقوبات الأميركية والأوروبية.
سيتعامل كثيرون بحذر شديد مع مخرجات اجتماع عمّان، وقدرة العرب على إلزام النظام بتنفيذ أي منها، لكن الحقيقة أنه، في ضوء اللامبالاة التي تبديها القوى الغربية، واستعداد واشنطن للانتظار 50 عاماً حتى "تنضج" ظروف الحلّ، عبر عقوباتها التي تهدّد بالقضاء على ما بقي من سورية، لا يوجد بديل للدور العربي لحل الأزمة، شرط أن يأتي هذا الدور، الذي غاب طويلاً، بالعدالة والتغيير الذي ينتظره السوريون.