قبل تخوين لولا دا سيلفا
قد يتحوّل الرئيس البرازيلي الأسبق (2003-2010)، لولا دا سيلفا، المرشّح الأوفر حظاً للعودة إلى المنصب الأول في أكبر بلد لاتيني سكانياً وجغرافياً واقتصادياً، من أحد خلفاء تشي غيفارا، إلى ابن ضالّ وبورجوازي صغير في أخفّ الأحكام، أو بائع لمبادئه وخائن في أقساها. التحوّل المطروح أعلاه قد يحصل في أدبيات موزّعي صكوك غفران اليسار في العالم ومحتكري شهادات "اليساري الجيد" و"اليساري التحريفي". هؤلاء حفنة موزعين في العالم، لكن لسانهم طويل بما يكفي لتخريب مشاريع سياسية واعدة. سبب الصدمة المتوقعة أنّ النقابي اليساري السابق، زعيم حزب العمّال، تحالف مع جيرالدو ألكمين، الحاكم السابق لساو باولو، أكبر ولاية برازيلية والعاصمة الاقتصادية والسياسية الفعلية لبلد الـ214 مليون شخص، والقائد البارز للحزب الديمقراطي الاجتماعي، وهو أكبر حزب محافظ نيوليبرالي في البلد، ليكون الأخير نائباً لـ لولا في حال فوزه في الدورة الأولى للرئاسة يوم الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أو في الثلاثين منه بدورة ثانية ضد الرئيس الحالي الفاشي جايير بولسونارو.
لكن بعيداً عن آراء يتامى يسار العالم المتيّمين بإملاء دروس على زملائهم أينما وُجدوا، مع مَن يتحالفون ومَن يعادون، فإنّ للصدمة ما يبررها حتى داخل "بيئة" لولا. تقرأ في هذا السياق برينو ألتمان، مدير موقع "أوبرا موندي" البرازيلي، يفتتح مقاله المطوَّل في مجلة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية عدد سبتمبر/أيلول الحالي، بسؤال يشبه التقريع الملطَّف لـ لولا: لكن ما الذي حصل في رأسه لكي يتحالف مع ألكمين؟ ولألتمان أسباب موجبة لكي يشعر بالصدمة: حزب ألكمين تحالف مراراً مع ورثة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل (1964 - 1984)، كان ألدّ خصوم لولا ومنافسه على الرئاسة في 2006. دعم مسار محاكمة لولا وسجنه، كذلك ساهم في "الانقلاب البرلماني" على خليفة لولا في الرئاسة، ديلما روسيف، حين أطاحها نائبها اليميني أيضاً ميشال تامر في 2016 وحلّ مكانها بدعم من ألكمين إياه وحزبه. حزبا لولا وألكمين نقيضان في كل شيء: ممثل للعمال وممثل للبورجوازية الوطنية، يسار ويمين، قطيعة مع الرأسمالية وتحديث ضروري لها، تقدمي ومحافظ، تعزيز القطاع العام في مقابل خصخصة كل شيء. نظرتان إلى الحياة والمجتمع والاقتصاد والسياسة والتاريخ والحاضر والمستقبل تُختصران في حزبين ورجلين صارا اليوم في خندق واحد وقد يصبحان غداً رئيساً ونائباً للرئيس.
إذاً فعلاً ما الذي حصل في رأس لولا؟ ما حصل في رأسه أنه يفهم تماماً أحوال بلده وقرر التصرف على هذا الأساس. يدرك أن "التناقض الرئيسي" اليوم، بلغة أهل اليسار، هو بين الفاشية والأنتي فاشية. يتصرّف على قاعدة أن الرئيس الفاشي جايير بولسونارو، لكي تهزمه وتخفف من كوارثه على البرازيل وعلى الكرة الأرضية، عليك أن تبني تحالفاً عريضاً، لأن إقصاءه ليس قضية يسارية، بل مسألة إنسانية. وإلا كيف يفهم دوغمائيو اليسار دعوة الأميركي اليساري جداً بيرني ساندرز أنصار تياره إلى التصويت في 2020 لليميني جو بايدن ضد أسوأ ما أنجبته أميركا، دونالد ترامب؟ إن كان بيرني ساندرز أيضاً من رابطة المنقلبين على يساريتهم إشباعاً لبورجوازيتهم الصغيرة، فماذا عن "المقاومة الفرنسية" (1940 - 1944) التي تحالف فيها الشيوعيون مع يمين وتنظيمات مسيحية لاستهداف النازية والمتعاونين معها من حكومة فيشي؟ ولأن خطر البولسونارية اليوم من صنف ذلك الذي شكلته الفاشية والنازية، فإنّ هزيمتها تشرّع أبواب التحالفات الوطنية العريضة. هكذا يقول لولا محقاً.
الأرقام والاستطلاعات مبشّرة في البرازيل حتى اليوم. معسكر لولا ومعه ألكمين متقدّم في نوايا التصويت على بولسونارو بفارق مريح يصل إلى 15 نقطة مائوية. الأهم ألا يعطي يساريو البرازيل أذنهم كثيراً لنصائح بعض رفاقهم من دوغمائيي اليسار الخشبي.