قبل إنقاذ الأرض... أنقذوا علاء عبد الفتاح

09 نوفمبر 2022

متضامنون مع علاء عبد الفتاح في لندن يطالبون بالإفراج عنه (6/11/2022/الأناضول)

+ الخط -

انعقاد قمة عالمية لإنقاذ الأرض من أخطاء البشر أمر مهم، وحدث لا يتكرّر كل يوم. ولكن كيف يستقيم أن من ينظّم القمة نظام يرفض أن ينقذ حياة مواطن، وهو يملك أن يفعل ذلك؟ هذه إحدى مفارقات قمّة الأرض التي تجري أشغالها في منتجع شرم الشيخ بحضور عديد من الرؤساء ورؤساء الحكومات وممثلين عن منظّمات وهيئات مدنية وخبراء من جميع العالم. المفارقة الثانية أن القمّة المراد منها أن تدقّ ناقوس الخطر لإنقاذ الأرض قبل فوات الأوان تحوّلت إلى قمّة لإنقاذ حياة مواطن مصري أعزل معتقل منذ سنوات بتهم واهية، ويحتضر داخل زنزانته بعد أن أضرب عن الطعام وامتنع عن شرب الماء، وباتت حياته مهدّدة. وهكذا انقلب السحر على الساحر، فالقمّة التي أرادها النظام غطاءً لجرائمه تحولت إلى ضوء كشاف لتسليط الضوء على القابعين ظلماً في زنازن سجونه.

ستنتهي قمة شرم الشيخ كما انتهت من قبلها قمم ومؤتمرات سابقة عن المناخ بصدور قرارات وتوصيات غالباً ما تبقى مجرّد حبر على ورق، أو تصبح نسياً منسيّا. ومن حسن الحظ أن مصير الأرض ومستقبلها لا يتوقفان فقط على ما يصدُر عن هذه القمم والمؤتمرات من مخرجات، رغم أهميتها، لو يجري التعامل معها بجدّ. ولن تختلف هذه القمّة عن سابقاتها، ومهما كانت أهمية التوصيات الصادرة عنها، فلن تنقذ الأرض من الكوارث الطبيعية التي تنتظرها، لكنها يمكن أن تكون فرصة للضغط على النظام الذي يستغلها لتلميع صورته في الخارج، لإنقاذ حياة المواطن المصري، علاء عبد الفتاح، وآلاف مثله من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي المغلوبين على أمرهم في سجونه سيئة السمعة.

إن نظاماً مثل نظام عبد الفتاح السيسي الذي أبيد مئات في عهده، وزُجَّ آلاف وراء القضبان بتهم واهية أو مفبركة، وأحياناً دون محاكمات أو بعد محاكمات صورية، لا يمكن أن يُنتظر منه إنقاذ الأرض، وهو الذي يرفض إنقاذ مواطن أعزل مضرب عن الطعام وعن الشرب، يوجد في سجونه، بل ويصرّ على قتله ببطء، غير آبهٍ لمناشدات أسرته وأقربائه لإنقاذ حياته قبل فوات الأوان، ولا يريد سماع مطالب رؤساء دول وحكومات ومنظمات دولية ومواطنين من جميع العالم يضعون أيديهم على قلوبهم وهم يحسبون العدّ العكسي لحياة مواطن كل ذنبه أنه رفع صوته للمطالبة بالحرية والعدالة والكرامة لشعبه.

ما هو أصعب من الفوضى البيئية، تصاعد الاستبداد السلطوي في الشرق واليمين المتطرّف في الغرب

إذا كانت كل المناشدات بإطلاق سراح علاء عبد الفتاح الصادرة عن قيادات سياسية وثقافية وعلمية من جمع العالم، وكل حملات التضامن الدولي معه غير قادرة على إنقاذ حياة مواطن بسيط يتضوّر جوعاً داخل زنزانة ضيقة وباردة، فما الأمل من أن تنقذ كلمات التضامن التي ستحفل بها خطب من يحضرون قمّة شرم الشيخ كوكباً بسعة الأرض؟! من المخجل والعار أن تتحوّل قمم الحفاظ على سلامة الأرض وأمنها ومستقبلها إلى مؤتمرات للعلاقات العامة، ومناسبات لأنظمة دكتاتورية وقمعية لإعادة تدوير صورتها، فما هو أخطر من التلوّث البيئي، تلوث العقول بالدعاية الفجّة لمثل هذه الأنظمة الضارّة بالإنسان والبيئة. كل ما ستنتهي إليه هذه القمّة تزكية نظام قمعي استبدادي وتمديد عمره ليستمر أطول مدة في حكمه، وتبييض صفحته من كل الجرائم التي ما زال يرتكبها في حق شعبه، وتشجيع أنظمة مستبدّة وقمعية على أن تحذو حذوه واستعمال قضايا إنسانية عادلة مطية لها لتوطيد استبدادها والاستمرار في غيها.

ما هو أصعب من الفوضى البيئية، تصاعد الاستبداد السلطوي في الشرق واليمين المتطرّف في الغرب، فهما توأمان سياميان يغذّي بعضهما بعضا، وهذا ما يفسّر سكوت بل ودعم حكومات غربية يمينية أنظمة مستبدّة مثل نظام السيسي الذي يستثمر في بناء السجون أكثر من استثماره في بناء المدارس والمستشفيات، وحضور رؤساء هذه الحكومات اليوم إلى شرم الشيخ تزكية لهذا النظام وتلميع لسجله الأسود في مجال حقوق الإنسان وانتهاك حقوق مواطنيه وكرامتهم.

الحريات مثل الطبيعة، هشّة ومهدّدة بمخاطر التلاشي إن لم نتقدّم لإنقاذها

المطالبة بالعدالة المناخية تبدأ بالمطالبة بالحريات الأساسية لمواطني البلد الذي يدّعي نظامه أنه منشغل بحماية الأرض، فالحريات، مثل الطبيعة، هشّة ومهدّدة بمخاطر الاندثار والتلاشى إن لم نتقدّم لإنقاذها، وإنقاذ الأرض يبدأ من حماية حرية الإنسان، لأن من ليس حرّاً لا يمكنه أن يتصرّف بحرية ومسؤولية. تلك هي الرسالة التي يجب أن يستوعبها المشاركون في قمة شرم الشيخ. تبدأ حماية كوكبنا بحماية حرية من يسكن فوقه والدفاع عنها عندما تُنتهك، فلا عدالة مناخية من دون عدالة في الحقوق والحريات.

من المفارقات أن دولاً وحكومات ووسائل إعلام غربية تقود حملة مقاطعة لتأليب رأيها العام على استضافة قطر مونديال 2022 لكرة القدم، بدعوى عدم احترامها حقوق العمال أو لمطالبتها بتوفير ضمانات لأقليات لحضور فعاليات المونديال، مع ما لهاتين القضيتين من أهمية لو تأكّد فعلاً ما يجري ترويجه حولهما، لكنها في الآن نفسه تسكت أو تتواطأ مع نظام ديكتاتوري يوجد في سجونه ظلم وعدوان أكثر من ستين ألف معتقل رأي، وتمنح له شرف تنظيم أهم مؤتمر يناقش قضايا تخصّ مستقبل البشرية جمعاء! ازدواجية معايير بعض الدول الغربية التي فضحها تعاطيها مع تداعيات الأزمة الأوكرانية، والآن يؤكّدها تلميعها الدكتاتورية المصرية الرثة التي تقمع معارضيها وتعتقلهم وتجثم على أنفاس ملايين من مواطنيها، يدفعنا إلى التشاؤم من أن تنتهي قمّة شرم الشيخ وينصرف كل إلى حال سبيله ويبقى المعتقلون في زنازينهم، هذا لمن سيُكتب لهم عمر مديد في انتظار أن ينالوا حريتهم المغتصبة. وفي انتظار أن يصل ذلك اليوم، لا نملك إلا أن نضم أصواتنا إلى كل الأصوات المطالبة بحريتهم.. أنقذوا حياة المعتقلين السياسيين، لأنكم تملكون أن تضغطوا على من يحتفظون بمفاتيح زنازينهم، أما الأرض فسيبقى لها ربٌّ ينقذها ويحميها.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).