قانون مناهضة التطبيع الأميركي وآلام السوريين المؤجّلة

19 فبراير 2024
+ الخط -

صوّتَ مجلس النواب الأميركي يوم 14 فبراير/ شباط الجاري على مشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد في سورية، بموافقة 389 نائباً من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وبمعارضة 32 نائبًا فقط. ستكون أمام المشروع خطوتان لا بدّ من قطعهما حتى يكتمل ويصبح قانوناً نافذاً: مصادقة مجلس الشيوخ على المسوّدة المطابقة حرفيّاً، واعتماده من رئيس الولايات المتحدة بالتوقيع عليه كإجراء بروتوكولي. قد تأخذ خطوة العرض على مجلس الشيوخ وقتاً، وهي صعبة بالتأكيد، لأنّ تجارب سابقة أثبتت أنّ عرض أي مشروع قانونٍ منفرداً قد يقلل من فرص قبوله، وهذا ما حصل مع قانون قيصر. يمكن انتظار قانون موازنة الدفاع أو أي قانونٍ آخر لرفعه معه، بحيث يصبح جزءاً من مجموعة تقبلُ كلها أو ترفض دفعة واحدة. أمّا الخطوة الثانية فهي ليست بالهيّنة أيضًا، لقد عطلّ الديمقراطيون من إدارتي أوباما وبايدن قوانين كثيرة كانت ضدّ نظام الأسد. مع ذلك، لا بدّ من تحيّن الفرص المناسبة لإتمام الخطوتين المذكورتين، وهذا جهدٌ يقع جُلُّه على عاتق الجالية السورية المنحازة للثورة والمعارضة لنظام الأسد.
تضمّن مشروع القانون ثلاثة أقسام مختلفة، لكنها تصبّ في خانة مناهضة التطبيع، وجاءت مؤيّدة بروادع جزائية من قبيل الوقوع تحت طائلة العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر أو غيره من القوانين والقرارات الأميركية الأخرى. تناول القسم الأول من القانون مسألة الاعتراف بنظام الأسد، وجاءت تحت هذا العنوان بنودٌ كثيرةٌ، منها حظر الاعتراف بنظام الأسد أو بأي حكم يكون الأسد جزءاً منه. يشمل هذا البند مناهضة عمليات التطبيع الجارية من دول أخرى، كما يشمل ردع عمليات وأنشطة إعادة الإعمار في مناطق سيطرة الأسد. ألزم القانون الوزارات المختلفة بتقديم تقارير دورية تمتدّ إلى الأعوام الخمسة التالية لإقراره، من 1 يناير/ كانون الثاني 2021 إلى اللجان المختصة في الكونغرس، بشأن أي انتهاك لبنوده ومن أية جهة أو دولة كانت. يجب أن يتضمّن التقرير أيضًا لائحة بالجرائم والانتهاكات التي يرتكبها نظام الأسد وحليفاه الإيراني والروسي، كما يجب أن يتضمّن لائحة بالاجتماعات الدبلوماسية مع نظام الأسد من مرتبة سفير فما فوق ومن أية جهة كانت. أيضاً، يجب أن يتضمّن لائحة كاملة بجميع التعاملات مع نظام الأسد، بما فيها المنح والعقود والاستثمارات والقروض، ويجب أن يتضمّن التقرير أيضاً الإجراءات والخطوات التي اتخذتها الإدارة بحق الدول المطبّعة مع نظام الأسد، كما يجب أن يتضمن وصفًا لآثار هذا القانون على الأمن القومي الأميركي، وفرص تطبيق القرارات الدولية بشأن سورية، وفرص تحقيق العدالة فيها، وتأثيره على حليفي النظام الروسي والإيراني.

خصّ القانون الأمانة السورية للتنمية التي تقودها أسماء الأسد شخصياً، والتي تشكّل بوّابة للتحكّم بالاقتصاد السوري، ببند خاص من العقوبات

عالج القسم الثاني من المشروع موضوع قانون قيصر، فمدّد العمل به حتى عام 2032، وأضاف عليه مواد جديدة من شأنها أن تطاول أعضاء مجلس الشعب والقيادات العليا في الدولة وحزب البعث وأفراد عائلاتهم، وأفرد نصوصاً خاصة بمعاقبة المتورّطين بالاستيلاء على أملاك السوريين، وكذلك بالاستيلاء على المساعدات الإنسانية المقدّمة لهم. كما خصّ القانون الأمانة السورية للتنمية التي تقودها أسماء الأسد شخصياً، والتي تشكّل بوّابة للتحكّم بالاقتصاد السوري، ببند خاص من العقوبات. وتطرّق القانون في القسم الثالث إلى التلاعب بالأموال والمساعدات المقدّمة من الأمم المتحدة، وفرض على وزير الخارجية تقديم تقارير للجنتي الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب عن أساليب وطرق تلاعب نظام الأسد بالأمم المتحدة لتحويل المساعدات عن وجهتها المقصودة والاستفادة منها في تعزيز سيطرته على البلاد. يشمل هذا القسم بنوداً توجب على الإدارة الأميركية فحص الآليات والطرق التي نفعت بها الأممُ المتحدةُ نظامَ الأسد بما يخالف المبادئ الأساسية للعمل الإنساني، كما يوجب القانون على وزير الخارجية وضع استراتيجية لتقليص مقدرة نظام الأسد على التلاعب بمنظومة الأمم المتحدة وعمليات الإغاثة الأخرى. واستمرّت عمليات الضغط لتقديم مشروع القانون 13 شهراً، عملت خلالها منظمات سورية متعدّدة على إيجاد نائب يتبنّاه، ثمّ وسّعت حلقة التواصل حتى أصبح لديها سبعة أعضاء من كلا الحزبين، وقبل عرض مسودة القانون على التصويت، وصل عدد النوّاب الذين تبنّوه إلى 52 نائبًا، وهو عددٌ غير قليل.
تواصلت الجالية السورية مع نوابٍ وقفوا على الدوام مع نظام الأسد، مثل إلهان عمر ورشيدة طليب وبعض اليساريين، فحثّوهم على إعادة النظر في مواقفهم شارحين لهم أنّ القانون لا يؤثر على حياة السوريين، بل يمنع النظام من التحكّم برقابهم. في المقابل، كانت ثمّة جهود حثيثة تحاول عرقلة هذا القانون، فقد وجّه السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد رسالة خاصّة إلى النواب عبر إحدى المنظمات حاثّا إياهم فيها على التصويت برفض مشروع القانون. ولمن يتذكّر، كان فورد أحد أفراد فريق أوباما لإدارة الأزمة السورية.

انحازت الأنظمة العربية المطبّعة إلى صفّ النظام السوري، ما يثبت المثل أن الظفر لا يخرج من اللحم

اللافت في النظر أنّ دولاً عربية وغير عربية كثيرة مطبّعة مع نظام الأسد عملت على عرقلة إقرار هذا القانون، وقد وردت أسماء هذه الدول في وثائق عديدة لمن أراد الاستزادة بالمعرفة والاطلاع. من المفارقات العجيبة أنّ ترسل لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية (إيباكAIPAC ) رسالة تحضّ فيها المشرعين على التصويت بنعم لإقرار هذا القانون. ومعروف أنّ هذه المجموعة تضمّ أعضاء من اليمين واليسار ومن كلا الحزبين ومن جميع التيارات الداعمة لإسرائيل، وأنّها ذات نفوذ كبير في الولايات المتحدة، لما تتمتّع به من علاقات واسعة ونفوذ هائل في جميع الدوائر الأميركية التشريعية والتنفيذية. لقد أدرك القائمون على هذه اللجنة أنّ بقاء نظام الأسد يعتبر لطخة عارٍ في جبين الإنسانية رغم الخدمات الهائلة التي قدّمها لإسرائيل بتدمير سورية وتهجير شعبها. بينما رأينا في المقابل كيف انحازت الأنظمة العربية المطبّعة إلى صفّ هذا النظام، ما يُثبت المثل إن الظفر لا يخرج من اللحم.
طريق السوريين طويل وعسير، وسيكون من شأن هذا القانون، إن استكمل خطوات إقراره ونفاذه، أن يخفّف عنهم قليلاً بعض الآلام والمعاناة، وقد يساهم قليلاً في ردع الدول والأنظمة الساعية إلى التطبيع مع هذا النظام الدموي الحاقد، الذي لم تسلم هذه الدول ذاتها من شروره وجرائمه. سيكون علينا، نحن السوريين، أن نقطع هذا الطريق إلى آخره، فلا مراكب تحملنا إلّا ما بنيناه بسواعدنا، فمراكب الأصدقاء والأخوة باتت على الضفّة الأخرى. سينبلج صبحُنا مهما طال الليل، ومن جدّ وجد ومن سار على الدرب وصل.

56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
حسان الأسود

كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.

حسان الأسود