في مسألة زياد أبو عين

15 ديسمبر 2014

أبو عين... من الكفاح المسلح إلى المقاومة المدنية

+ الخط -

لولا استشهاده، في عملية قتلٍ معلنة، لما اشتهرت صفة زياد أبو عين وزيراً فلسطينياً، فلم يكن ذائعاً أن له هذه المرتبة. وللتوضيح، كان يتولى رئاسة هيئة شؤون الجدار والاستيطان، بدرجة وزير، بحسب مرسوم من الرئيس محمود عباس، صدر في سبتمبر/ أيلول الماضي. وسبق أن كان وكيل وزارة الأسرى، ومدير هيئة الرقابة العامة. وتفيد هذه الوظائف بأن الشهيد كان موظفاً رفيعاً في السلطة الوطنية الفلسطينية. وللتذكير، فإنه سبق أن رفض الإقامة خارج وطنه، بعد إطلاق سراحه من الأسر الإسرائيلي، في 1985، وكان أول فلسطيني تسلّمه الولايات المتحدة إلى إسرائيل، بعد أن احتجزته ثلاث سنوات. ومثّلت شهرته مناضلاً فلسطينياً إبّان ذلك الاحتجاز في الزنزانة 1413 في شيكاغو قضية رأي عام عريض في العالم. وفي تلك الغضون البعيدة، نتذكّر اسم الشاب زياد أبو عين مضيئاً في الحالة الثورية الفلسطينية، ونتذكّر أن إدارة رونالد ريغان كانت بلا أخلاق في تلك القضية التي يحسن أن تُحمى من النسيان في مدونة الألم الفلسطيني العتيد.

استشهد زياد أبو عين، الأسبوع الماضي، عن 55 عاماً، وقارئ سيرته يقع فيها على انخراط مبكر في العمل الفدائي الفلسطيني، واشتباكه، قيادياً ميدانياً فتحاوياً، في مناهضة الاحتلال بكيفياتٍ كفاحية، انتقلت من العمل المقاوم المسلح إلى النشاط المدني السلمي في إطار الانتساب إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، صدوراً عن قناعةٍ باتفاق أوسلو، باعتباره عملاً مرحلياً في تحقيق التطلعات الفلسطينية. وللشهيد أبو عين دفوعاته عن خياراته، ومنها التسليم بمصلحة وطنية فلسطينية من "التنسيق الأمني" مع إسرائيل، غير أن وجهته السياسية هذه لم تنزع عنه إيمانه المؤكد بوجوب بقاء مقاومة الاحتلال والتصدي لجرائم إسرائيل خياراً حاضراً، ما لم تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في 1967. وفي ذلك كله، يجدر بعديدين يستسهلون الخلط والتزييف وإطلاق الكلام كيفما اتفق، أن يعلموا أن المكوث في السلطة، وإنْ في مراتب رفيعة فيها، لا يفرض ازدراء مقاومة إسرائيل، ولا يعني النأي عن مواجهة توحّش الاحتلال.

في البال أن رئيس الوزراء السابق، سلام فياض، انفرد بين كل الفلسطينيين، منذ فجر التاريخ حتى هذا النهار، بأنه كان الوحيد منهم الذي دان عمليات مقاومةٍ استهدفت جنوداً إسرائيليين، غير أن الرجل طالما رابط، بنفسه، في أراضٍ فلسطينية للدفاع عنها في مواجهة مستوطنين مأفونين، وأنه دفع بحملةٍ وطنيةٍ واسعة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وإحراقها، وعمل على رفع منتوجية المواطن الفلسطيني في وطنه. باختصار، كان سلام فياض يقاوم الاحتلال بكيفياتٍ مدنيةٍ عملية ومنظورة، لها جدواها البالغة الأهمية، والتي يحسن أن تتم المراكمة عليها، ولا يُنسى أن وسائل إعلام إسرائيلية نعتته، آنذاك، بالتطرف (!). وعلى ما في شخصيته من تباعد مع فياض، إنْ على صعيد الرؤية الكفاحية أو السيرة الشخصية، فإن زياد أبو عين لا يستقيل من وطنيته مقاوماً للاحتلال، عندما يكون في مرتبة وزير برئاسة محمود عباس. وجدار الضم العنصري، وكذا التوسع الاستيطاني، جريمتان إسرائيليتان مشهودتان، لا يمكن لأسير محرر وفتحاوي قديم أن يتسامح معهما، فلا يكون في مقدمة الناشطين السلميين في مسيرات رفض الجدار المذكور، والاستيطان المرذول.

ما يفاجئ بعضنا، بين ظهرانينا، في قتل زياد أبو عين، أنه حتى المقاومة السلمية المدنية غير مأذون لها من جانب حكومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري، والتي لا ترى غير الاستسلام لها حقاً وحيداً للفلسطيني. إنها الحقيقة في أوضح وجوهها، فلم يقترف العسكري الإسرائيلي، قاتل أبو عين، غير حقه في تأكيد هذه الحقيقة. ولأن المسألة شديدة الانكشاف، هنا، فإن المريع إلى حد الفداحة المهولة أن يتعامل معها الفلسطيني، في أي موقع وموقف ومطرح كان، بالعادية الروتينية المعهودة إياها.

 

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.