في مسألة جابر عصفور

08 مارس 2015

جابر عصفور ... رضى الأزهر والسلفيين أنفع من رضاه

+ الخط -
جيّدٌ أن المصادر المطلعة أفادتنا بأن الناقد والكاتب المصري، جابر عصفور (71 عاماً)، كان في وعكة صحية عاديةٍ لما أُبلغ، الخميس الماضي، بإقالته من موقعه وزيراً للثقافة، ولم يُصب بها بسبب هذا النبأ. نتمنى موفور الصحة للوزير السابق، وقد صار جائزاً أن تقترن هذه الصفة باسمه، بعد تسعة شهورٍ مكث فيها وزيراً، وإنْ لم يستطب أن نمازحه بها قبل أقل من عامين، نحن مجموعة أصدقاء، في جلسةٍ في أبوظبي، إذ معلوم أن عصفور عمل وزيراً تسعة أيام واستقال، في أثناء هتاف المصريين في الميادين برحيل حسني مبارك. والمتوقع أنه، في الأسابيع المقبلة، لن يُسرف في المقابلات الصحافية عن الشهور التسعة، كما فعل بعد تجربة الأيام التسعة تلك. حينها، أو بعد نجاح ثوار يناير في إزاحة مبارك، قال كلاماً عن استخدام حكومة الحزب الوطني له، وأوحى بذلك الكلام (وغيره) بأنَّ خديعةً أُصيب بها، نجا منها بالاستقالة، وراح يكتب عن "كوارث" هذا الحزب في مصر.
لن يعمد صاحبنا إلى الإيحاء بأنَّ خديعةً مستجدة رُمي بها، وكان ظنُّه أن مقامه وزيراً للثقافة سيطول بعض الوقت، لينجز مشاريع واعدةً في باله، لأن كلاماً من هذا القبيل سيكون محرجاً له، عدا عن أن أولي الأمر الحاكمين سيستقبلونه بضيقٍ مؤكد، قد لا يحتمل الناقد المعروف تداعياته وآثاراً له غير مستبعدة. والأوضح في الحكاية أن من رمى جابر عصفور بالخديعة هو جابر عصفور نفسه، عندما صدّق أن التنوير الفكري والنهضوي في مصر عماد مشروع عبد الفتاح السيسي، وعندما ظنَّ أن في وسعه، تحت جناح الرئيس المذكور، أن يقول ما يشاء عن الدولة غير الدينية، وعن سلطةٍ لا تجوز للأزهر في هذا الشأن أو ذاك. وتوهم أن الكلام جدي، ذاك الذي سمعه مثقفون مصريون من السيسي، إبّان حملته (الانتخابية؟) إيّاها، وقبل أسابيع، في جلسةٍ استغرقت أربع ساعات (!). وفيه أن مصر تحتاج من المثقفين والمفكرين والأدباء دوراً كبيراً جداً في المرحلة المقبلة، وأن الدولة ستقوم بتفعيل دورها في الإنتاج السينمائي والدرامي، إلى غير ذلك من مشتقات الكلام المسترسل في مثل هذه المجالس التي كان مبارك يزاولها بين حين وآخر، وكان عصفور من ضيوف بعضها.
لا تزيّد في الاجتهاد بأن الحجر كان ثقيلاً على صاحب (المرايا المتجاورة) عند إقالته، لأنها جاءت مقرونة بتعيين وزيرٍ أزهري التعليم، خلفاً له، أستاذٍ للتاريخ، وخبير في أرشفة الوثائق والمطويات والمخطوطات. اسمه عبد الواحد النبوي (45 عاماً). والرسالة هنا أكثر من واضحة، موجزها أن رضى الأزهر والسلفيين أولى وأنفع من مجاملة عصفور وأترابه، فأولئك لهم سلطة معلومة، فيما اعتراض وزير الثقافة المقال على دورٍ للأزهر في منع فيلم عن النبي نوح له أن يلقى هوىً عند كتابٍ وأدباء من أصحاب الدور الكبير الذي ثرثر السيسي عنه، غير أنه لا وزن لهذا الاعتراض في حسابات الولاء ودواليب السلطة. وإذا ظنَّ جابر عصفور أن دولة التنوير التي يبسط السيسي ظله فيها تُجيز له الحديث كما يشاء عن "تعصب" بعض مشايخ الأزهر، فذلك أمر يبعث على الشفقة، فالبادي أن الرجل لا يعرف جيداً أين يقيم، وأنه لم يحدّق في صورة يوم 3 يوليو إيّاه. لم يحضر فيها أحد ممن يلهجون بتنوير جابر عصفور، بل حضر الأزهر بشيخه.
فور سماع صديقنا الناشر محمد هاشم اسم وزير الثقافة الجديد، فوجئ بأنه لم يسمع به سابقاً، سأل عشرة من أصحابه، وهم مثله من محبي 3 يوليو، فأبلغوه بجهلهم بالاسم. هنا القصة، على جابر عصفور، متعه الله بالصحة، ومعه أهل الكلام الرشيق عن مواجهة الأصوليات والظلاميين وسلطة الأزهر، أن يعرفوا أن القصة في مطرح آخر، إنها في الولاء للرئيس وأجهزته وخيوط سلطته، في الجيش والأمن .. والأزهر أيضاً.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.