في سقوط الرّهاب من الغرب
أسقطت موقعة 7 أكتوبر للمقاومة الفلسطينية نظرية الرّهاب من الغرب، والشعور بأنه قوّة متحكّمة بالشعوب، ترهيباَ وتخويفاً، لتكون له المحصلة في الاقتياد فكرياً ومن ثمَّ عملياً، غير أن المقاومة الفلسطينية هزّت هذا المفهوم والنظرة، بل وجعلتها في صالحها منذ أول يوم من عملية طوفان الأقصى، الأمر الذي جعلهم في دولة الاحتلال يُقدمون على مجازر بشعةًٍ انتقاماً نفسياً، ومحاولة لرد هذا الفكر ترهيباً وتخويفاً، غير أن الذي كُسر لا يُجبر، خصوصا المعنوي منه. وبالتالي، سقطت معها كل التبعات النفسية والمعنوية المصاحبة لهذه النظرية، وهذا في حدّ ذاته إنجاز يُحسب للمقاومة الفلسطينية وللشبّان الفلسطينيين، بل لا أبالغ إن قلت إن السقوط المعنوي والنفسي هو رهان هذه الحرب، وإن البداية تكون معه وبه. ويدرك متابع أحداث التاريخ هذا الأمر، فالسقوط المعنوي هو بداية الانحدار والسقوط، إن لم نقل النهاية، ففي لحظةٍ سقطت كل الاستراتيجيات التي كان يُسوِّقها، من القوة التكنولوجية والحربية، بل ويهدّد بها منذ سنوات وسنوات، لتكون في مرمى المقاومة، ولتكون هي الفاعلة والمبادرة، ولتسقط كل الهيبة التي حاول أن يبنيها العدو منذ احتلاله الأراضي الفلسطينية.
فالمعركة الدائرة في غزة حاولت الآلة الصهيونية الإعلامية أن تُرجعها إلى ما يمكن تسميته الاسترهاب التخويفي، إلا أنها فشلت، وبالتالي، استعملت الاسترهاب الحقيقي قتلاً وتدميراً، إن لم نقل إنها تحوّلت من الاسترهاب إلى الإرهاب حقيقةً وفعلاً، وقتلاً للإنسانية، وجرائم بشعة ضد شعب أراد أن يُخرج الاحتلال من أرضه ويدافع عنها، بكل الطرق والوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان، من أجل التحرّر وتقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي، الذي يدندن الغرب به تنظيرا لا أكثر، أو أن يكون واقعا وفعلا فذلك تقتضيه المصلحة لا أكثر.
ستهزّ الهزيمة التي كانت في صفوف العدو أكبر أركانه عقودا، فالهيبة سقطت ولن تعود، وجيشه انكسر ولن يرمم
وفي القراءة السياسية لتبعات يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، يكفي أنه أعاد إلى القضية الفلسطينية بريقها وأملها في التخلّص من الاحتلال، بل وأربك الخطط "الاستراتيجية" التي كانت تُحاك وتنفذ جزئيا بما تسمّى صفقة القرن، والتوجه نحو الإعلان عن "التطبيع" مع دولٍ كثيرة، تسريبا أو بصورة علانية، ليأتي هذا اليوم ويضع هذا المخطّط على سلم الانهيار التام، لا الصعود والتنفيذ، فحينما كان المجتمع الدولي يخطّط ويفعل لإنهاء هذه القضية تدريجياً في محيطيها، الداخلي والدولي، جاءت عملية طوفان الأقصى ماحية لها، ولتضعها أمام صفرٍ من الأفعال التي بذلت فيها، ولتكون حدّا فاصلا ستكون له تبعاته وفعله على المستوى العربي الشعبي الذي سينعكس على السياسي فيه، فما كان قبل 7 أكتوبر في الفعل السياسي، العربي على أقل تقدير، إن لم يكن الدولي، لن يكون كما بعده مطلقاً، ولتكون هذه القضية في ساحة المعركة، لا ساحة المراوغات والصفقات السياسية التي أريد لها أن تكون.
قد يُدرك كثيرون أن التضحية عالية وعزيزة، فالدماء تسيل، والشهداء كثر، والتدمير للأراضي الفلسطينية كبير. في المقابل، ستهزّ الهزيمة التي كانت في صفوف العدو أكبر أركانه عقودا، فالهيبة سقطت ولن تعود، وجيشه انكسر ولن يرمم، بل وستظل الصور والمرئيات لعناصره الهاربين والساقطين أمام أبناء المقاومة راسخة في عقل كل مقاوم يدافع عن أرضه وعرضه، ولتكون شاهدا على هوانه وضعفه وهشاشة كيانه، وأن استعراضه وفعله لا يكونان إلا على الأبرياء والعزّل، الذين يتناساهم المجتمع الدولي، إلا بحسب الحاجة والمصلحة التي يريد تحقيقها، وإلا فإن الطرف مغضوض والفعل محمود، إلى أن تحين الحاجة لذلك، خصوصا أن دولا غربية كثيرة أعلنتها صراحة دعماً واسترهاباً للكيان الصهيوني، وأن الإنسانية التي يدندن بها الغرب تحضر وتغيب بحسب الحاجة والمصلحة، وإلاَّ فهل هناك أكثر ألما من صور الأطفال والنساء والتدمير للمباني السكنية على أهلها التي حرّكت ضمائر الشعوب الحية، العربية والغربية.