في أمورٍ تلتقي عليها إيران وإسرائيل

09 يناير 2024
+ الخط -

قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مشاركته عبر الفيديو، في منتدى الدوحة، إن شيئًا وحيدًا يجمع إيران وإسرائيل، أنهما "لا يؤمنان بحلّ الدولتين بخصوص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي". وصدق في قوله هذا عن موضوع "حلّ الدولتين" الذي بدأ الحديث عنه يتصاعد في الأروقة الدولية، إلا أن تأكيده على أن هذا المطلب هو الوحيد المشترك أمرٌ قد لا يكون حقيقيًا، سيما وإن ما يجمع بينهما يبقى الهدف العام، وهو بسط النفوذ على منطقة الشرق الأوسط تحت عنوان الصراع في غزّة.
رفعت السلطات الإيرانية، "علم الانتقام" الأحمر على مسجد جامكاران في إيران، وقد شوهد آخر مرّة بعد اغتيال قاسم سليماني عام 2020، ما يشير إلى الانتقام الوشيك للهجوم الأخير بالقرب من مقبرة كرمان. لكن الانتقام، من دون حلفاء إقليميين، في مقدمتهم الصين، سيبقى خجولًا من دون تأثيرٍ يذكر، ولا يحاكي حجم الضربة التي وجّهت لها، ولا بمستوى الحرب الإقليمية التي تتوجّس إيران من اشتعالها. فهل تلتقي إيران في استحضار التنّين الصيني النائم، مع محاولات إسرائيل لاستحضار الأميركي المتردّد لحرب إقليمية واسعة؟  
قالت مصادر إن تجارة النفط بين الصين وإيران توقفت مع حجب طهران الشحنات ومطالبتها بأسعار أعلى من أكبر عملائها، ما يقلص الإمدادات الرخيصة لأكبر مستورد للخام في العالم. وقد يؤدّي انخفاض إمدادات النفط الإيراني، التي تشكّل نحو 10% من واردات الصين من الخام، وبلغت مستوى قياسيًا في أكتوبر/ تشرين الأول، إلى دعم الأسعار العالمية.
هذا، وكانت كل من الصين وإيران قد وقعتا في 27 مارس/ آذار 2021، على اتفاق لتعزيز العلاقات فيما بينهما. وذكرت مجلة بتروليوم إيكونوميست إن الاتفاقية تتضمّن ما يصل إلى 280 مليار دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران، واستثمارات أخرى بقيمة 120 مليار دولار لتحديث البنية التحتية للنقل والتصنيع في إيران. مقابل ذلك، على إيران أن تمدّ الصين بإمداداتٍ ثابتةٍ وبأسعار منخفضة للغاية من النفط.

تعلم إيران أن الدخول في حربٍ مع إسرائيل سيجلب فورًا التدخل العسكري الأميركي، وقد يكون الغربي

تحت شعار "الحرب في الشرق الأوسط تتّسع للجميع"، جاء الموقف الإيراني المستجدّ تجاه الصين، سيما المرتبط بالطلب من بكين رفع التعرفة لأسعار النفط الجديدة رغم الاتفاقية المبرمة. إذ على ما يبدو ليست طهران راضية على موقف الصين المحايد في الحرب على غزّة، فالموضوع عندها لا يتعدّى الدعوة إلى وقف إطلاق النار، بينما تريد إيران توريط الصين في الحرب.
تتريّث طهران في الردّ المباشر على استفزازات إسرائيل، سيما في ما يتعلق بالضربات المستمرّة من إسرائيل في سورية، والتي أدّت إلى مقتل قياداتٍ كثيرة في الحرس الثوري والموالين لإيران، إذ أعلنت طهران، 25 الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول) عن مقتل رضي موسوي في ضربة إسرائيلية على الأراضي السورية. 
تعلم إيران أن الدخول في حربٍ مع إسرائيل سيجلب فورًا التدخل العسكري الأميركي، وقد يكون الغربي، وأنها في هذه الحال ستخسر ما بنته في المنطقة بعد تصدير ثورتها عام 1979. وتعلم أيضًا أن الروسي ليس في وارد فتح جبهة حربٍ ثانية، وهو المشغول في جبهة أوكرانيا، لا بل يستمدّ من إيران طائراته المسيّرة وأنواعًا من الصواريخ. لهذا يبقى على القيادة في إيران ممارسة نوع من الضغط على حليفتها بكين، لجلبها إلى ساحة الصراع.
استطاعت طهران مسك بكين من "يدها الموجعة"، فالنفط هو شريان الحياة الاقتصادية والعسكرية عند الصينيين، واللعب على هذه الورقة تحديدًا هو بمثابة رهان ذي حدّين، فالرهان الإيراني لا يهدف إلى فكّ الارتباط، لا بل إلى الدفع بالموقف الصيني، ليكون أكثر صلابةً تجاه الأميركي وتدخلاته في المنطقة، فالصين لم تزل تلتزم بحياديّتها رغم مناداتها بنظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، ورغم المضايقات الأميركية لها في تايوان، أو حتى في بحر الصين الجنوبي.

"الصبر الاستراتيجي" الذي دعا إليه المرشد الإيراني، خامنئي، يهدف إلى لجم التدحرج نحو حربٍ كبرى في المنطقة

كما أن لطهران رهانًا آخر يتعلق بضرورة رفع أسعار النفط، لأنّ العقوبات المفروضة عليها، إضافة إلى حروبها عبر وكلائها في المنطقة، على ما يبدو، باتت مرهقة لميزانيتها، فالمنطقة اليوم تشتعل ضمن مواجهات الدول التي تسيطر عليها إيران عبر أذرعها المباشرة من اليمن إلى العراق فسورية ولبنان، وصولًا إلى قطاع غزّة. يدفع هذا الأمر بها إلى الحاجة إلى تأمين مداخيل بعملات أجنبية كبيرة من عائدات النفط، لتمويل حربٍ أذرُعها في المنطقة. 
لا يحتاج المرء كثيرًا ليدرك أن "الصبر الاستراتيجي" الذي دعا إليه المرشد الإيراني، خامنئي، يهدف إلى لجم التدحرج نحو حربٍ كبرى في المنطقة، خصوصًا أن اعتداءات الحوثي في البحر الأحمر بدأت تجلب قوة جديدة تهدف إلى تقليص هذه الاعتداءات. وكشف مسؤولون عسكريون، 5 يناير/ كانون الثاني الجاري، أن قوات تابعة للبحرية الهندية اعتلت السفينة المختطفة "نورفولك" وفق ما نقلت وسائل إعلام، ما يعني أن الدول بدأت تحرّكاتها لحماية سفنها من الهجمات الحوثية.    
لا يستطيع الإيراني فتح الحرب الواسعة في المنطقة، لأنه بحاجة إلى حليف إقليمي متمثل في الصيني، تمامًا كما إسرائيل التي تعمل جاهدة لتوريط القوات الأميركية في المنطقة. لهذا، قد يلتقي الإيراني والإسرائيلي على أكثر من موضوع، وتغذية الصراع الدائر قد تصبّ في مصالح كليهما، بينما تبقى المنطقة وشعوبها رهينة الصراع على النفوذ.

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب