فخ القانون الانتخابي اللبناني

17 ديسمبر 2020
+ الخط -

سأل رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، أمام زواره: لماذا التجييش الطائفي المذهبي حول قانون الانتخاب المطروح؟ فبحسبه، القانون المقدّم من كتلته في المجلس مرتكز على أساس الاقتراع النسبي وخارج القيد الطائفي، على أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، فلمَ الإعتراض عليه وشيطنته إذًا؟ تساؤله هذا أتى بعد اقتراح قانون انتخابي عصري مقدّم من النائبين في كتلة التنمية والتحرير، أنور الخليل وإبراهيم عازار، إضافة إلى تقديم مشروع لإنشاء مجلس للشيوخ، علمًا أنّ هذا الأخير كان قد تمّ إلغاؤه في أول تعديل للدستور اللبناني عام 1927.

بالشكل، القانون المقترح مقبول، إذ إنّ ما قدمته كتلة بري النيابية من مشروع قانون انتخابي يُخرج لبنان من الإطار الطائفي. ولكنه في التطبيق، على ما يبدو، فخّ يهدف من خلال طرحه، في هذا الوقت، أي قبل سنتين تقريبًا على نهاية ولاية المجلس الحالي، إلى عرقلة العهد في مسيرته المتبقية عبر إشغال أركانه في البحث عن صياغةٍ جديدةٍ لقانون الانتخابات. 

فخٌ نعم! فبحسب مصادر مقرّبة من الكتل المسيحية، القانون بصيغته المقدّمة هو بمثابة مدّ اليدّ على حقوق المسيحيين بانتخاب نوابهم، تمامًا كما كان يحصل في الحقبة السورية، تحديدًا في القانون الانتخابي الذي كان يعرف بقانون غازي كنعان. ففي ذلك القانون، كان هناك إقصاء واضح للصوت المسيحي، على حساب الناخب المسلم، لأنّ الدوائر الانتخابية التي كان يقسّم لبنان من خلالها لم تراع توزيع الوجود المسيحي في المناطق، ولا حتى توزيع النسب الطائفية في كلّ دائرة.

مشروع قانون الانتخاب بصيغته المقدّمة هو بمثابة مدّ اليدّ على حقوق المسيحيين بانتخاب نوابهم، تمامًا كما كان يحصل في الحقبة السورية

أعاد الوزير السابق، وليد جنبلاط، أخيرا، الدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية على أساس القانون المقترح من كتلة التنمية والتحرير، فهو يجد أنّ الخروج من هذه الأزمة يكون عبر إعادة هيكلة المجلس النيابي، لأنّ المجلس السابق، كما يراه، مصغّر عن الطائفية والمذهبية ذاتي الفكر التقسيمي. كيف لا، والقانون الذي يرفضه جنبلاط هو الذي حجّم كتلته النيابية، لا بل هزّ لائحته في الجبل. 

صرّح البطريرك الراحل، مار نصر الله صفير، مرارًا، بأنّ الطائفية يجب إزالتها من النفوس قبل النصوص. لهذا سيبقى الطرح على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة غير ناضج، طالما لم نعمل على إزالة الطائفية من النفوس أولًا. هل فعلًا أزيلت من النفوس، كي تتقدّم الكتل في مجلس النواب بمشاريع قوانين انتخابية، على أساس لبنان دائرة واحدة، أو خمس دوائر انتخابية، باعتبار أنّ الناخب أصبح يفكرّ وطنيًا؟! أمّ إنّ الدعوة، وطرح المشاريع الانتخابية بحدّ ذاتها فخاخ لتعطيل أمر ما؟

عندما وضع المؤرخ اليوناني القديم، ثيوسيديدز، نظريته التي عرفت بـ"الفخ"، كان على يقين من أنّ الصدام سيكون سيد الموقف بين الدول الصاعدة والدول المهيمنة. ولكن هل ستكون دراسة قانون الانتخاب، والمواقف المحتدّة منه، بمثابة فخ ثيوسيديدز الذي سيدفع نحو تعطيل الانتخابات عام 2022، ويدخل البلاد في فراغ رئاسي وبرلماني وبلدي، إلى حين التوصل إلى مؤتمر التأسيس المنشود؟

يدرك رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، تمام الإدراك أنّ اعتراض القوى المسيحية الكبرى المتمثلة بالتيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، لم يكن على شكل القانون المقترح، ولا على الاقتراع النسبي، ولا حتى الانتخاب خارج القيد الطائفي؛ بل اعتراضهم نابع من خوف التمثيل الحقيقي في البرلمان، إذ إنّ من شأن قانون كهذا إيصال مسيحيين منتخبين من غير المسيحيين، ما يضيّع التمثيل الحقيقي داخل مجلس النواب. 

لم يعرف لبنان الحديث قانونًا انتخابيًا تمثيليًا بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولن يعرفه، فمفهوم تمثيلي هو نقطة الخلاف، إذ يريده المسلم تمثيليًا لبنانيًا على أساس لبنان دائرة واحدة، هذا لأنّ المسلمين الأكثرية العددية لمكونات الشعب، في حين يفهمه المسيحي بأنه تمثيل حقيقي لعدد المسيحيين في المجلس النيابي، أي أن يختار المسيحي نوابه. فبين المفهومين، الأول والثاني، تمثيلية ستنطلي فصولها على اللبناني، وتنسيه قضاياه الرئيسية، وأبرزها التدقيق الجنائي المالي.

العامل الديمغرافي كان ولم يزل الناخب الرئيسي في أي نظام انتخابي مقترح

باتت المشكلة في لبنان واضحة، فهي مشكلة ثقة بين اللبنانيين، فالعامل الديمغرافي كان ولم يزل هو الناخب الرئيسي في أي نظام انتخابي مقترح. لهذا، سيبقى الخوف المسيحي من فرض قانون يذيب الصوت المسيحي في المدّ المسلم، إلى حين الانتقال إلى الدولة المدنية؛ عندها نستطيع القول إنّ الناخب أصبح لبنانيًا، وطنيًا، ينتخب لأجل المصلحة العليا، لا لأجل طائفته. 

أخيرًا، بدل طرح القانون الانتخابي الذي يثير الخوف عند المسيحيين، ويهزّ ثقتهم بالشريك الآخر في الوطن، لمَ لا يُصار إلى بناء الشخصية القاعدية للمواطن اللبناني، والتي ترتكز على إعلاء مصلحة الوطن فوق كل اعتبار؟ ولمَ لا يُعاد النظر في مناهجنا التربوية، لتربية الأجيال الناشئة على التطلّع إلى مصلحة البلاد، على أساس العيش في سبيل الوطن، وليس العيش المشترك و"لا ستة وستة مكرر"؟