عودة الفلسفة
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
يبدو أن الفلسفة تشهد عودة في أكثر من فضاء عربي، بعد إقصاءٍ طويل، نتجت منه سيطرة الصوت الواحد في التفكير، ما ولّد تبعاتٍ لا تُحمد عقباها. لذلك، ظهرت الفلسفة واحدةً من سبل الحلول لمواجهة مجموعة من الظواهر الخطرة. لا أعني هنا فقط ظاهرة التعصّب الديني، إنما يمكن الحديث كذلك عن ظواهر أخرى لا تقلّ خطورة، أسهمت في إنعاشها سرعة التقدّم التقني والفورة التواصلية، ناهيك عن العلم الذي أصبحت إنجازاته المتواترة تتطلب اجتراح قوانين تمنعه من تفجير الفوضى في حياتنا. وقد نادى مفكّرون عرب وعالميون بالفلسفة علاجاً لمجموعة من الظواهر التي أصبحت تجتاح الإنسانية.
عربياً، يمكن التطرّق إلى كتب الباحث المغربي، سعيد ناشيد، التي تذهب في اتجاه التوفيق بين ما هو فلسفي وديني، وذلك عبر تبسيط مفاهيم فلسفية وجدت إقبالاً قرائياً ملحوظاً، إذ تتصدّر مؤلفات ناشيد قائمة المبيعات في مكتبات العالم العربي. وحين أدخل بعض المقاهي في مسقط أجد شيئاً من كتبه معروضاً للقراءة العامّة، ناهيك أنّ كتبه لا تمكث كثيراً في المكتبات التجارية. وعالمياً، يعد حوار الفيلسوف الألماني، يورغن هابرماس (93 عاماً) مع القس بنديكتس السادس عشر تحولاً وعودة لافتة بعد القطيعة التي حصلت للدين مع الفلسفة. لم يخفِ هابرماس الحاجة إلى الدين في اشتقاق قوانين أخلاقية منظّمة لبعض ظواهر لاأخلاقية، في مقدمتها التلاعب الجيني. وقد شكّل هذا الاتحاد بين الدين والفلسفة فعلاً مهماً للبحث عن مشكلات عصرية عويصة، تحتاج إلى هذا النوع من التجاذب السلمي بين أسئلة الدين والفلسفة. وهي دعوةٌ ليست جديدة في تراثنا، إذا استحضرنا مقولاتٍ للفيلسوف المسلم ابن رشد من قبيل "الحكمة شقيقة الشريعة" و"الحق لا يضادّ الحقّ" وغيرهما من مقولات مضيئة يزخر بها تراثنا العربي الإسلامي في جانبيه، الفلسفي والكلامي، تحتاج إلى إعادة النظر فيها وتذكّرها ودراستها بعد هجرانها قروناً عديدة، تحت دواعٍ أثبت الزمن أخيراً أنّها واهية، بعدما ساهمت طويلاً في تأخرنا.
غير بعيد عن هذا السياق، أقيم في مسقط ملتقى في الفلسفة استمر ثلاثة أيام، تحت عنوان "ملتقى بيت الزبير الفلسفي الأول" من 16 إلى 18 مايو/ أيار الجاري، في الفضاء ذي الردهات الطينية لبيت الزبير. وهو متحفٌ سياحيٌّ يقيم فعاليات ثقافية بين وقت وآخر، يولد أفكاره الإبداعية الكاتبان محمد الشحري ومنى السليمية. شارك في الملتقى رضوان السيد وعبد السلام بنعبد العالي ومحمد المصباحي وأساتذة فلسفة من الجزائر وموريتانيا ولبنان. وشكل الملتقى كذلك فرصة لباحثين عُمانيين لتقديم أوراق فلسفية، مثل محمد العجمي وعلي الرواحي. وقد حرّكت الأوراق المقدّمة دفة النقاش، إذ استمرت بعض الفعاليات حتى حدود العاشرة ليلاً. وفي الافتتاح، أُعلِنَت جائزةٍ للفلسفة، حملت اسم شخصية عامة، هو الراحل صادق جواد سليمان الذي شبهه الباحث خميس العدوي، في كتيّب وزع لهذه المناسبة، بالفيلسوف اليوناني سقراط الذي لم يترك كتباً، بل أفكاراً ستحفز تلامذته على البحث والتعمق، وبذلك تكون هذه الجائزة دافعاً لتأليف بحوث فلسفية عُمانية مقبلة، وستُعلَن تفاصيلها لاحقاً.
من فعاليات الملتقى إقامة ورشة فلسفية للأطفال، الأمر الذي يدلّل على أهمية إيلاء أسئلة الأطفال انتباهاً وقراءة وتأملاً من الكبار. وقد سيّرت ورشة الأطفال المرشدة التربوية السعودية داليا عبد الله بكر. وطوال أيام الملتقى الثلاثة، أقيم أيضاً معرض فلسفي، وقد دعيت إليه جميع المكتبات التجارية في مسقط، لتقديم معروضها من الكتب الفلسفية، العربية والمترجمة. وقد استقدم هذا الملتقى الذي صيغ على هيئته المتكاملة بين محاضرات فلسفية من أجل تفعيلها أسماء فكرية عربية لامعة، وعُرضت كتب في الفلسفة. وهو يعدّ قفزة مهمة في طريق إنعاش حقل إنساني مهم، ظلّ طيّ النسيان فترة غير هيّنة.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية