عن فرص السلام ومخاطره في اليمن
مع إعلان مجلس القيادة الرئاسي اليمني إعادة تشكيل لجنة التفاوض (مع جماعة الحوثي)، لتشمل ممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي، توقع بعضهم أن يكون الإجراء مقدّمة لعملية تفاوضية وشيكة، وزاد من وجاهة هذا التوقع رغبة القوى الدولية ودعوتها الحكومة والحوثيين إلى الذهاب إلى عملية سياسية شاملة تحت فرصة وقف العمليات العسكرية التي لم يعكّر صفوها انتهاء الهدنة المعلنة بين الطرفين منذ مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
ومع أنه لا يمكن الجزم بأن عملية تفاوضية وشيكة الحدوث، نظراً إلى بعد المسافة التي ما تزال بين الطرفين اللذين لم يتمكّنا حتى من التوصل إلى اتفاق بخصوص تمديد الهدنة، وهو أمر أقلّ تعقيداً من الاتفاق على تسوية شاملة للحرب.
يبدو السؤال عن إمكانية السلام في اليمن هو الأكثر أهميةً من مسألة الذهاب إلى التفاوض من عدمه، فبدون الشروط الموضوعية للسلام قد لا تكون أي مفاوضاتٍ قادمة، تحت رغبة القوى الدولية، وضغوطها، أكثر من استراحة محارب، إذ ما تزال شروط الحرب أقوى من شروط السلام، على الرغم من توقف العمليات العسكرية من دون هدنة.
صحيح أن سبع سنوات من الحرب أثبتت فشل الطرفين في تحقيق أهدافهما منها، فلا الحوثي استكمل انقلابه، وحكم اليمن وفق النظام السياسي الذي يريده، ولا الشرعية والتحالف (السعودي الإماراتي) قضيا على الحوثي واستعادا الدولة، إلا أن هذه السبع العجاف لا يبدو أنها قد غيّرت في قناعات الطرفين عن حاجتهما من الحرب، ودوافعهما منها، فالحوثي الذي لم يُهزم يظن أنه انتصر، ولا شيء قد يجبره على التنازل بالسياسة عما عجزت الحرب عن إجباره عليه، وهو يبني نظامه السياسي الخاص على غرار النظام الإيراني، ويكدّس الأسلحة لحمايته، ويسخّر الموارد المالية للدولة لتكريسه، ولا شيء قد يجبره على التخلّي عنه، والعودة إلى النظام السياسي التعدّدي، لمشاركة الآخرين فيه، تحت حجّة السلام، وحاجة الشعب إليه، فآخر ما قد يهم الحوثي هو الشعب، واحتياجاته.
الحوثي والتحالف من يقرّران نيابة عن اليمنيين بخصوص الحرب والسلام، فأي تسويةٍ بينهما قد لا تنجو منها الجمهورية والوحدة
ومن هذا المكان الذي وجد نفسه فيه وريثاً للدولة في عاصمتها صنعاء، وفي جغرافيتها الأكثف سكاناً في الشمال والغرب، يتعاطى الحوثي مع الواقع على اعتبار أنه الحكومة الشرعية التي لا ينقصها غير الاعتراف الدولي، بل ويذهب بعيداً في لعب هذا الدور بالمطالبة بالإيرادات النفطية في مناطق الشرعية نفسها، لدفع مرتّبات جيوشه، وموظفيه باعتبار أنه الدولة، وإلا فإنه يلوح بالحرب. ووفق هذه المعطيات، لا يبدو أن الحوثي في وارد القبول بعملية سياسية لا تحقّق له هذه المكانة التي يراها لنفسه حاكما لليمن، ليس لأنه القائد العلم من آل البيت كما يزعم، وإنما استحقاق للحرب، ولمآلاتها الراهنة. وكأن لسان حاله يقول: إن كانت السعودية ترغب في إنهاء الحرب، فليكن الاعتراف لي بحكم اليمن الثمن المناسب إذا.
وما يريده الحوثي لتسوية الحرب ثمنٌ لا يمكن للشرعية دفعه، فهي وإن كانت مسلوبة القرار لصالح التحالف الداعم لها، ومتعدّدة الأقطاب، وضعيفة، لا يمكنها التوقيع على شهادة وفاتها بيديها، لكن، هل قد يفعل التحالف السعودي الإماراتي ذلك ضمن صفقةٍ مباشرة مع الحوثي؟! وإن كان هذا الأمر وارداً، فما نوع هذه الصفقة؟ هل تكون كما يريدها الحوثي كعكةً كاملة خالصة لنفسه، ومن ورائه إيران؟ أم ستجري قسمتها على اثنين، أو ثلاثة باعتبار أن الإمارات طرف، والسعودية طرف، وليست الدولتان طرفاً واحداً؟
لهذا النوع من التسويات سوابق في العالم، وهي تبنى على حقائق الحروب، لا على الحق، ويبدو أن هذه التسوية تلقى هوى لدى بعض الدوائر الغربية، وحتى الإقليمية، بحجّة الحاجة للسلام، وإنْ كان لا أحد من هذه الدول قد عبّر عن هذه الرغبة صراحة، بما في ذلك السعودية والإمارات اللتان تقول أفعالهما غير ذلك، بما أوجداه من حقائق على الأرض جنوباً، وشرقاً.
الحوثي الذي لم يُهزم يظن أنه انتصر، ولا شيء قد يجبره على التنازل بالسياسة عما عجزت الحرب عن إجباره عليه
وقد لا تتخذ هذه التسوية شكلاً صادماً لتقسيم اليمن لدولتين، أو ثلاث دول، إذ قد تتخذ شكلاً تدرجّياً، ومؤقتاً كأن تظل اليمن دولة واحدة من إقليمين، أو ثلاثة أقاليم، وفق ما يخلص إليه التفاهم السعودي الإماراتي بخصوص حضرموت، عما إذا كان يراد لها أن تكون إقليما مستقلاً، أو تبقى في الإقليم الجنوبي. إلا أن هذه التسوية، ولا أستبعد أن تعرضها الرياض على الحوثي، وهي التي قد تظن أنها تعوض عن هزيمة الحوثي بإيجاد كتلة وازنة له في الجنوب أو في الجنوب والشرق، يقول التاريخ إنها قد تشغل من يحكم صنعاء بها بدلاً من انشغاله بالرياض، لكي تنجح تحتاج لموافقة الحوثي كذلك، وليس معلوما أي ثمن قد يقنعه بها، وهو من يرى كل اليمن في متناول يديه إن استمرت الحرّب وفق أداءاتها السابقة! ومع ذلك، لا يخلو هذا العرض، إن حصل، من إغراءات بالنسبة للحوثي، فهو يحقّق له اعترافاً سعودياً بالاستحواذ على الكتلة السكانية الأضخم شمال اليمن وغربه، وعلى الحدود المباشرة معها، كما أنه لا يخلو من التحدّيات أيضاً، فهو وإن كان يتحجّج بمن يصفهم بالعدوان سببا لتقسيم الجغرافية اليمنية، قد لا يرغب في أن يكون، في نظر اليمنيين، وأنصاره الطرف الذي كرّس ذلك التقسيم سياسياً، كما كان قد كرّسه عسكرياً.
وخلاصة القول في هذا السيناريو للتسوية السياسية وفق الحقائق العسكرية على الأرض، ومع أنه على الضد من مصلحة اليمن، ومن سلامة أراضيه، أنه يتقرّر حسب سلوكٍ حوثيٍّ لا يمكن التكهن به، الأول انكفائي، وله شواهده في أسلاف الحوثي من الحكام الإماميين قبل الجمهورية في شمال اليمن، والثاني توسّعي، وله شواهده في سلوك عرّابته إيران في المنطقة.
ختاماً، يمكن القول إن شروط السلام العادل لليمن، بما لا يمسّ بمكتسباته الدستورية من نظام جمهوري تعدّدي، ووحدة أراضيه وسلامتها غير متوفرة، فقد أجهز الحوثي على النظام الجمهوري، فيما تكفل التحالف السعودي الإماراتي بالإجهاز على وحدته الجغرافية. وبما أنهما، الحوثي والتحالف، من يقرّران الآن نيابة عن اليمنيين بخصوص الحرب والسلام، فأي تسويةٍ بينهما قد لا تنجو منها الجمهورية والوحدة. وبذلك قد يكون السلام المنشود أكثر ضرراً على اليمنيين، وعلى مستقبلهم السياسي من الحرب.