عن "زنجبار بملامح عُمانية"

10 يوليو 2023
+ الخط -

كما في المثل الصيني "الصورة تساوي ألف كلمة"، القارئ أمام آلاف الصفحات، وليس فقط 232، وهي الصفحات الورقية لكتاب "زنجبار بملامح عُمانية" لعماد بن جاسم البحراني، (دار سؤال، بدعم من النادي الثقافي، مسقط، 2017)، والسبب أن القارئ في الكتاب لن يجد غير الصور، وإذا جاد الكاتب بعباراتٍ فإنها في إطار شرح موجز لهذه الصور وزمنها ومناسبة التقاطها. فبعد المقدّمة التي جاءت في ست صفحات، تتوالى على عين القارئ صور نادرة. ويتّضح أن الجهد الحقيقي للمؤلّف قد صبّ بصورة كاملة في البحث عن هذه الصور، ثم في ترتيبها زمنيا، حيث جاءت بمثابة كنز تاريخي يوضح جزءا من طبيعة الماضي العُماني السياسي والاجتماعي في زنجبار.
جاءت المقدّمة تحت عنوان "شذرات من تاريخ زنجبار" لتحاول أن تسرد بالكلمات ما لن تستطيع أن تعبّر عنه الصور مباشرة، مثل المسمّيات التاريخية التي مرت بها جزيرة زنجبار، فأحيانا تسمّى زنزبار وأحيانا برالزنج، كما يذهب الباحث في مقدّمته إلى أن زنجبار( الأفريقية) كانت مأهولة بالعرب منذ القرن الأول الميلادي. وقد وصل الإسلام إلى زنجبار عن طريق الهجرات العربية والشيرازية إلى شرق أفريقية في نهاية القرن الأول الهجري. ومن أوائل هذه الهجرات العربية هجرة قبيلة الأزد في سنة 95 هجريا. كما يورد الكاتب في مقدّمته مقولات الرحالة القدماء العرب الذين زاروا زنجبار، مثل الرحالة الشهير المسعودي صاحب "مروج الذهب"، وشيخ الرحالة العرب، ابن بطوطة، صاحب "تُحفة النظار في غرائب الأمصار"، وسواهما من الرحالة الأجانب، مثل البرتغالي دورارث باربوسا الذي ترك وصفا في غاية الأهمية، لأنه زار زنجبار قبل دخول الاستعمار الأوروبي القارّة السوداء، ومن الفقرات الدالة التي ذكرها: "فوجئت بما لم أكن أتوقّعه، فقد وجدنا موانئ تطنّ بالبشر كخلايا النحل، ومدنا ساحلية عامرة بالناس، وعالما تجاريا أوسع من عالمنا، كما وجدنا من البحّارة العرب رجالا عبروا المحيط الهندي ويعرفون دقائق مرافئه وسجّلوا هذه الدقائق في خرائط متقنة" (ص 19).
نجد كذلك في المقدّمة المكثفة مقولة نادرة للأمير شكيب أرسلان، في كتابه "حاضر العالم الإسلامي"، وفيها "إن العرب العُمانيين قد تملكوا الجزر والسواحل في شرق أفريقيا، وكانت زنجبار تخضع لسلطنة عُمان سواء في عهد السلاطين اليعاربة أو في عهد سلاطين آلبوسعيد". ونجد أيضا حديثا عن اهتمام حاكم عُمان وزنجبار في النصف الأول من  القرن التاسع عشر، السيد سعيد بن سلطان، ببناء القصور والمباني التي لا تزال شاهدة على ازدهار زنجبار في عهده. رغم ما عرف عن السيد سعيد من تواضع كبير، كما ذكرت ذلك ابنته سالمة في مذكّراتها، إلا أن البعد الحضاري لم يكن يغيب عنه في بناء مدينة عصرية وعلى أفضل طراز، يشكّل علامة تمدّن في القارة الأفريقية في ذلك الزمن المتقدّم. إلى جانب حديثٍ عن تأسيس العُمانيين أول حزب عربي في زنجبار(ربما هو أول حزب عربي في القارّة الأفريقية برمتها) وأطلق عليه الحزب الوطني الزنجباري، وتزعّمه العُماني علي بن محسن البرواني.
يبدأ ألبوم صور الكتاب بصورة مائية تعود إلى أواسط القرن التاسع عشر، ونرى فيها مراكب شراعية وسماء مرصّعة بسحب بيضاء متفرّقة، إلى جانب بيوت مطلة على البحر بطابقين وثلاثة طوابق لونها أبيض مع سقوف سوداء، وخلف تلك البيوت البحرية تلوح رؤوس أشجار النارجيل التي ربما عرفت بها الجزيرة. بعد هذه اللوحة، تتوالى الصور الفوتوغرافية النادرة، وكانت البداية مع صورتين، واحدة جوية من الأعلى لزنجبار بالأبيض والأسود وتظهر فيها بيوت مطلّة على الساحل خلفها ما يشبه حقول خضراء. تحتها مباشرة صورة لثلاثة مراكب شراعية، يظهر من أحدها أربعة ركاب واقفين.
ولأن الكتاب في الأساس ذاكرة صور، يتعذر استنطاقها جميعا، ولكن يمكن الحديث عن تلك التي تصوّر زنجبار من الداخل، حيث الفنادق والمحالّ التجارية، ما يبرز التعايش الأفريقي العربي الآسيوي، وهي صور ينتمي معظمها إلى القرن التاسع عشر. نجد مثلا صورة امرأة أوروبية بملابس عصرية تمشي بين صفّين من الأبنية العالية، وسيارة قادمة من أمامها وقد كتب أسفل الصورة "أحد أزقّة زنجبار القديمة".

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي