عن العملية السياسية السورية

20 نوفمبر 2020
+ الخط -

تربط فكرة سائدة عن الصراع الدائر في سورية ربطا عضويا لا فكاك منه بين "العملية السياسية" و"الحل السياسي". يعتقد أصحابها أن العملية السياسية هي بوابة الحل السياسي التي ستفضي حتما إليه، وأن فشلها يعد نجاحا للنظام الأسدي وداعميه. لذلك، على المعارضة التمسّك بها، والحؤول دون وقفها، بما أن استمرارها هو البديل الدولي للحل العسكري الأسدي، ولهزيمة الشعب الذي يصر عليها منذ بدأت الانتفاضة الشعبية قبل نيف وتسعة أعوام.
عندما قرّر ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية ربط العملية السياسية بحلٍّ سياسي، كان قبول هذا الخيار مرتبطا ببلوغ حلٍّ سياسيٍّ وفق بيان جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و2254. وكان من الواضح أن الأسد وافق على عملية سياسية أخرى، مفصولة عن هذين القرارين ولا تطبقهما، وأنه يريد، من عمليته السياسية، إضاعة الوقت والالتفاف عليها، والإمعان في تعطيل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي لم يلتزم بتطبيق قراراته، ولم يحدّد وظيفة العملية السياسية في ضوئها، ولم يدخل في حوارات مع طرفي التفاوض، تلزمها وتلزمهما بتطبيق قراراتها، وترفض الدور التيسيري، والبارد الذي خصّها به بشار الجعفري، ورفضه ممثل الأمين العام في مفاوضات جنيف، الأخضر الإبراهيمي، احتراما لمسؤوليات المنظمة الدولية عن إنفاذ إرادتها، كما عبرت عن نفسها في قراراتها، وصيانةً لدورها في حماية الشعوب من سفاحيها، وكي لا تتحول، بوصفها منظمة دولية، إلى شريك للأسد في إفشال دورها، وتعطيل صلاحياتها المفتوحة على بعد تنفيذي رادع، يعاقب من يخرج على القانون الدولي، ويرفض الانصياع لقراراتها.
الغريب أن يستمر تعطيل العملية السياسية منذ سبعة أعوام، بسبب رفض الأسد التفاوض حول حل سياسي أقرّه مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه منتصف عام 2012، ورفض تطبيق أي فقرة من فقراته، مدعوما بتجاهل واشنطن له، وبنجاح روسيا في الالتفاف على العملية السياسية وفصلها عن الحل السياسي الذي ترفضه، وتشجع الأسد على التمسّك بحله العسكري، فضلا عن نجاح الممثل السابق لأمين المنظمة الدولية، دي ميستورا، في تحويل المفاوضات إلى محادثاتٍ سرعان ما تحوّلت إلى مناكفاتٍ وخلافاتٍ على الكلمات، وتصرّفاتٍ حفلت بازدراء الشرعية الدولية وممثل أمينها العام الجديد، بيدرسون، الذي غدا مجرّد ميسر لعملية تعذيب يمارسها وفد المخابرات الأسدية على وفد "الائتلاف"، أو الوفد التركي كما يسميه، بينما يقف المجتمع الدولي متفرّجا على ما لم يعد يستحق صفة عملية سياسية بأي لغة من اللغات!
ماذا يعني تمسّك "الائتلاف" بعملية سياسية هذه مواصفاتها ونتائجها، ولن تحقق أيا من مطالب الشعب السوري؟ وماذا يعني قبوله فصلها عن القرارات الدولية مرجعية الحل السياسي، بقدر ما تحققه ويستجيب الأسد لها، ويتخلص بعض أعضاء الهيئة العليا للتفاوض من عقدة الدونية التي توهمهم أنهم صاروا حقا ممثلين للثورة، وزعماء للسوريين الذين يعالجون صورهم بأحذيتهم ويتهمونهم بالعمالة!
هناك عملية سياسية واحدة يجب التفاعل معها بأقصى قدر من الإيجابية والتفاني، هي تلك التي تنصبّ على تطبيق القرارات الدولية، وإلزام الأسدية بحل تفاوضي يخلو من ألاعيبها، و"تيسير" الأمم المتحدة. أما التسلية في جنيف، وتمسكن وفد المعارضة وصمته عن سفالات وفود الأسد، وإشادته بإيجابية المباحثات كلما ابتسم مخبر أسدي في وجه أحد من أعضائه، متجاهلا عجز النظام الدولي عن إقناع المخبرين بوضع جدول أعمالٍ للمحادثات التي كان يجب أن تبدأ مطلع عام 2016، وتنتهي بحل سياسي نهائي منتصف عام 2017، تطبيقا للقرار 2254 الذي تدور المباحثات العبثية حوله من دون تحقيق أي فقرة منه، فهذا ليس عمليةً سياسيةً، وليس تفاوضا أو محادثات.
لا قيمة لأي عملية سياسية من دون تطبيق القرارات الدولية. كل ما عدا ذلك باطل وقبض ريح، وهزيمة.

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.