عن الحرّ والحرب
بيّنت دراسة مشتركة، أجرتها جامعتا برنستون وبيركلي الأميركيتان، ونشرت نتائجها قبل فترة، وجود رابط قوي بين ارتفاع درجات الحرارة وتزايد احتمالات اندلاع حروب وصراعات في العالم. كما بينت وجود علاقة مباشرة بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة مستوى السلوك العدواني أو الميل نحو استخدام العنف، حيث يصبح الإنسان مزاجيا وأقلّ قدرة على السيطرة على نفسه. وراجعت الدراسة بيانات تمتد إلى عشرة آلاف عام استنتجت منها أن ارتفاع الحرارة بمقدار خمس درجات فهرنهايت (درجتين مئويتين تقريبا، إذا كانت الحرارة فوق 85 فهرنهايت/ 30 مئوية) عن معدّلاتها الطبيعية يؤدّي إلى تزايد مستوى العنف بنسبة 14%. والحال أن الصيف هذا العام يبدو أشدّ حرارة من غيره، حيث ترتفع درجات الحرارة على امتداد أربع قارّات (آسيا، أفريقيا، أوروبا، أميركا الشمالية) تزداد المخاوف من اندلاع صراعاتٍ وحروبٍ جديدة.
وفي منطقتنا، حيث يتزامن الارتفاع في درجات الحرارة مع تزايد التوتر بين إيران والولايات المتحدة في منطقة الخليج، بسبب اعتراض إيران ناقلات نفط، وهو أمر تعدّه واشنطن تهديدا لمصالحها المتمثلة في حماية حرية الملاحة، لضمان تدفّق إمدادات آمنة ومستمرّة، تبقي أسعار الطاقة منخفضة في الأسواق العالمية. كما يتزايد التوتر الأميركي - الروسي/ الإيراني في سورية على خلفية وقف روسيا العمل باتفاق منع الاحتكاك الموقع بين الطرفين منذ عام 2015، واحتمال استئناف المليشيات المدعومة إيرانيا هجماتها ضد الأميركيين. وفي الحالتين، زادت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في المنطقة، إذ أعلنت وزارة الدفاع الأميركية هذا الأسبوع عن نشر مدمّرة إلى جانب طائرات مقاتلة من طراز F35 و F16 في الخليج لردع إيران عن الاستمرار في استهداف ناقلات النفط، لتنضمّ إلى الغوّاصة النووية يو إس إس فرجينيا التي جرى ارسالها الأسبوع الماضي إلى المنطقة، وغيرها من قطع عسكرية موجودة سابقا. وفي سورية، نشرت واشنطن طائرات A10 ورابتور F22 بالتزامن مع رفع وتيرة المناورات والتدريبات التي تجريها مع حلفائها في مناطق شرق الفرات والتنف، وذلك مع تواتر أنباء عن تنسيق روسي إيراني لاستهداف الوجود العسكري الأميركي في شرق الفرات، باستخدام تكتيكات تماثل التي استُخدمت في العراق بين عامي 2003 و2011، في محاولة لإخراجه من سورية. في المقابل، ترد تقارير عن استعدادا أميركي للتعاون مع الحلفاء بعملية تقطع الطريق على تحرّكات المليشيات المدعومة إيرانيا على الحدود بين سورية والعراق، عبر انتزاع المناطق التي يسيطرون عليها. يدفع هذا كله في أجواء الصيف الحارّة مراقبين عديدين إلى توقع اندلاع مواجهة في سورية أو الخليج.
ورغم أن هذا الاحتمال يبقى واردا، في ضوء وجود رابط قوي بين ارتفاع درجات الحرارة وتزايد احتمالات الصراع، المترافق بحشود عسكرية على الأرض، إلا أن ذلك لا يعدّ، في غياب النية أو القصد لدى مختلف الأطراف، كافيا للجزم أننا مقبلون على مواجهة عسكرية. والواقع أنه لا إيران ولا الولايات المتحدة، ولا روسيا خصوصا، لديها مصلحة في تصعيد كبير في هذا الوقت تحديدا، فإيران على عادتها تخوض حروبها بالوكالة، عبر هجوم هنا أو هناك، تنفذه مليشيات حليفة لها على الأرض، لكنها تتجنّب، في كل الأحوال، تصعيدا كبيرا يمكن أن تتورّط هي به (لاحظ مثلا ردّها المضبوط على قتل قاسم سليماني مطلع عام 2020). وما تحاول فعله في الخليج أو في سورية لا يعدو، على الأرجح، محاولة لتحريك الجمود الذي لا يخدم مصالحها مع استمرار العقوبات عليها. وواشنطن بدورها لا تريد أي تصعيد، فيما تركيزُها منصبٌّ على هزيمة روسيا في أوكرانيا والتوتر مع الصين. أما تحرّكاتها في الخليج وسورية فهي لا تعدو كونها رسائل ردع لإيران وروسيا. وعليه، يستبعد أن تدعم هجوما ضد حلفاء إيران في سورية، ما لم يبادر هؤلاء إلى مهاجمتها. أما روسيا، فهي الأخرى، وفي ظل غرقها في المستنقع الأوكراني، فإنها آخر من يبحث عن فتح جبهة جديدة، وما تفعله في سورية لا يعدو، في أفضل حالاته، محاولة لخلط الأوراق عبر دفع إيران وأميركا إلى مواجهةٍ هناك تنقل تركيز الأميركيين بعيدا عن أوكرانيا، لكن إيران أشطر من أن تقع في المحظور.