عن الثقافة الحزبية في الأردن بعد الانتخابات
"البلد صبّحت كلّها خضرة"... هكذا أرسل إلي صحافي أردني صديق من عمّان عن نتائج الانتخابات النيابية التي أُجريت، الثلاثاء الماضي، للمرّة الأولى في نظام قائمتين حزبية وعامة، بغية التدريج للوصول إلى برلمان حزبي تشكل فيه الأغلبيةُ الحكومةَ بحلول عام 2032. أمّا اللون الأخضر المشار إليه، ففيه كناية عن فوز الإسلاميين، وتحديداً جبهة العمل الإسلامي، بأعداد كبيرة من المقاعد في الانتخابات، بشكل يصفه كثيرون بـ"المفاجأة"، ومردّ ذلك إلى الإشكالات والأزمات الأمنية والقانونية التي واجهتها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وآلت إلى تفكيك أذرعها السياسية والاجتماعية، كما أنّ رؤية الدولة الأردنية، بتشجيع التدرّج للوصول إلى حكومة مُنتخَبة على مراحل، عبر تشجيع الحياة الحزبية، دفعت بعضهم، إلى تقديم أنفسهم أحزاباً بديلةً من التيار الإسلامي القوي، وطبعاً الأفضل الإيحاء بأنّه "حزب الدولة"، وكل ما يلزم لافتة أو صورة للملك عبدالله الثاني، تعزّز هذا الإيحاء. تبدأ نبذةٌ واحد من أكبر تلك الأحزاب في موقعه الإلكتروني بصورة ملك البلاد، وباقتباس من أقواله، وهناك أمثلة كثيرة لسياسيين، حتّى قبل بدء الحملات الانتخابية، علَّقوا صوراً ولافتاتٍ لتزرع مثل هذا الإيحاء.
ثقافة الارتباط بالملك، عبر نشر صور عامّة له، ولافتات للتهاني، حتّى مُجرَّد لافتات، لا فائدة تُرجى منها سوى تعزيز وطنية شعائرية، ليس لها أيّ دور إنتاجي، لا بالمفهوم السياسي ولا الاقتصادي، وحتّى، باتت ظاهرةً تعتمدها محالّ تجارية كثيرة، وهو أمر لا يجوز قانوناً (في التجربة البريطانية هناك ختم ملكي لأيّ مشروع تجاري يستخدم اسم الملك، ويجب أن يخضع للوائح العلامات التجارية والقانون). تعليق صور الملك، وفق اللوائح والقوانين الأردنية، واجبة في الدوائر الرسمية، لكن حين تُستخدَم مثل هذه الصور للإيحاء بوجود حزب للدولة أو للملك، وهذا ما سُوِّق للناخبين، فإنّه يبرز أنّ نجاح الإسلاميين في الانتخابات، وكأنّه ضدّ الدولة، جاعلاً هذا التقسيم غير معقول وليس مفيداً لأيّ تدرّج سياسي نحو حكومة تنتج من أكثرية نيابية، ولا لوجود حياة سياسية صحية أساساً، ولا يُعتقَد أنّها تُرضِي الملك نفسه، باعتباره من أسّس هذا التحوّل التدريجي.
وخيراً فعلت الدولة الأردنية في جعل تأكيد استقلالية الهيئة المشرفة على الانتخابات، لكن من الضروري وجود قانون يجرّم الإيحاء أو الادّعاء بأنّ هناك حزباً يمثّل الدولة، أو "مَرْضيّاً عنه"، أو "تصل إليه إشارات من فوق"، خاصّة أنّ تلك المزاعم كلّها، باتت (للأسف) جزءاً من القاموس السياسي الأردني.
ثقافة الارتباط بالملك، عبر نشر صور عامّة له، ولافتات للتهاني، حتّى مُجرَّد لافتات، لا فائدة تُرجى منها سوى تعزيز وطنية شعائرية، ليس لها أيّ دور إنتاجي
أجل، ارتبط فوز الإسلاميين، كما لاحظ مراقبون كثيرون، بحرب غزّة، وبالمشاعر القوية المصاحبة لها لدى الناس، خاصّة أنّ الإسلاميين أعلى صوتاً في تأييد القضية. تفوّق الأيديولوجيا على الأحزاب البرامجية ردَّة فعل على انعدام الثقة بالحكومة لدى رجل الشارع، فالبرامجية، والخدماتية، طغت، في الغالب، على أداء المجالس النيابية خلال السنوات السابقة في الأردن (ظاهرة عالمية عموماً)، لكن الحياة السياسية الصحية تحتاج إلى الأيديولوجيا كما برز في انتخاب الناس جبهة العمل الإسلامي.
تتراوح الأحزاب الجديدة في هذه الانتخابات بين الأيديولوجيا والبرامجية، لغياب هُويَّة واضحة، ومنها كثير ممن اختبأ (أو أوهم نفسه أنّه يختبئ) خلف الدولة أو الملك، بشكل أو بآخر، لكنّ هذه الأحزاب في مجملها أدّت أداءً جيّداً بتجاوز العتبة، وكسبت مقاعد، وبعضها حلّ تالياً في عدد المقاعد (الميثاق الوطني)، لكنها، رغم الأداء الجيّد، جعلها غياب أيديولوجية سياسية، أو هُويَّة مستقلّة (حتى لو كانت خدمية برامجية)، لم تحقق ما كانت تتوقّعه هي ذاتها، وهو ما يستدعي تحليلاً دقيقاً للسلوك التصويتي في التمييز بين اتّجاهات الأصوات للقائمتين، الحزبية والعامة في هذه المرحلة، كما أنّ من الضروري أخذ نسب المشاركة في الاعتبار، إنّ نسب المشاركة (المتدنية في العموم؛ 32% تقريباً) في المحافظات أعلى من العاصمة والمدن الرئيسة، وهذا معهود في السياسة الأردنية، وفيه تعبير عن البعد العشائري، وبالتالي، يستدعي أنّ التحوّل إلى حياة حزبية توصل حكومةً من الأكثرية النيابية تستدعي برامج من الأحزاب تُعنى بتلك القواعد، من دون الاختباء خلف قناعات وهمية، خاصّة أنّ القواعد معنيّة بالانخراط السياسي الحقيقي في أكثر مؤسّسة لتدوير النخب السياسية في الأردن أهمّية.