عن ارتياح حكومي وقلق شعبي في المغرب

20 ابريل 2023

في السوق القديم في الرباط (2/4/2022/الأناضول)

+ الخط -

يستمرّ الوضع الاجتماعي في المغرب في التأزّم. ولا يبدو أن الأيام المقبلة تحمل أنباء سارّة للطبقات الدنيا التي بلغ عيشها اليومي صعوبة لم تشهدها البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي. ورغم أن العالم يمرّ بأزمة غلاء عالية، نتيجة الأزمات الاقتصادية والمالية والتقلبات المناخية وجائحة كورونا والانعكاسات المدمّرة للحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى ارتفاع مهول في أثمان الطاقة ومواد ضرورية كالقمح والزيوت، فإن الحكومة المغربية، رغم التدابير التي اعتمدتها، لم تفلح في الحدّ من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، ولا هي نجحت في ضبط أسعار الخضروات والمواد الأساسية في شهر الصيام، الذي وجدت فيه معظم الأسر المغربية قلة ذات اليد لمواجهة متطلباته، حتى في حدودها الدنيا.

أطلقت الحكومة المغربية وعودا في تصريحها أمام البرلمان، عند تنصيبها في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وخصوصا منها المرتبطة بإحداث مليون منصب شغل ورفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20% الحالية، وحماية الطبقة المتوسطة وتوسيعها، وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسّطة في العالم القروي، لا تبدو قادرةً، حتى على الحفاظ على الوضعية الاجتماعية كما كانت عليه في السابق، فنسبة النمو لم تتجاوز 1,3%، السنة الماضية، فيما توقعات هذه السنة لن تتجاوز، في أحسن الأحوال، 3,3%، وهي نسبة ضعيفة للغاية، مقارنة بالنسبة التي وعدت بها الحكومة. ففي ظل الظرفية الصعبة، محليا وعالميا، إن لم تتدارك الحكومة الأوضاع باتخاذ قراراتٍ شجاعةٍ وسريعة، فستكون البلاد ماضية على سكّة مزيد من الانهيار والتقهقر. فشعار الدولة الاجتماعية الذي تبنّته حكومة عزيز أخنوش، بعد حكومتين متتاليتين بقيادة حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الذي غادر السفينة، بعد أن قذفت به انتخابات 8 سبتمبر 2021 من الحزب الأول بـ 125 مقعد في البرلمان إلى المرتبة الثامنة بـ 13 مقعدا فقط، لم تظهر آثار هذا الشعار على حياة الناس، بل تقهقرت حياتهم وساءت أوضاعهم واختفت الطبقة الوسطى، وانقسم المجتمع إلى طبقتين، واحدة تملك كل شيء وأخرى يزداد فقرها وتعاستها.

الحكومة المغربية، رغم التدابير التي اعتمدتها، لم تفلح في الحدّ من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين

 

زرعت الحكومة بهذا الشعار الاجتماعي آمالا عريضة في أوساط الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود، حتى استبشروا خيرا بحكومةٍ يقودها رجل أعمال، ناجح في مراكمة المال والثروة، لعل مهارته هاته تسعفه في تفريج كرب الملايين التي بات الفقر يهدّد أمنها الاجتماعي وقوتها اليومي. لكن واقع الحال خيّب ظنها وزاد من قلقها على مستقبل أبنائها، فالتضخم في البلاد بلغ درجة غير مسبوقة، حيث سجل نسبة 10,1%، وهو رقم ينذر بوضعية اقتصادية حرجة. الأمر الذي دفع المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، الذي يرأس واحدة من أهم المؤسّسات العمومية في البلاد إلى ربط التضخّم بنقص تموين السوق المحلي بمختلف المواد الاستهلاكية، مضيفا أن التضخّم في البلاد أصبح بنيويا وليس عابرا. كما أن والي بنك المغرب، وهو البنك المركزي في البلاد قرر الرفع من نسبة الفائدة من 2,5% إلى 3%، وهو إجراء يهدف إلى كبح عجلات التضخّم، لكن انعكاساته ستكون وخيمة على المقاولات، وتحديدا الصغرى منها.

لكن أمام هذه الوضعية الاجتماعية الصعبة، لم تجد الحكومة غير مشجب الظرفية الاقتصادية الصعبة، لتحميلها وزر الغلاء الفاحش الذي لم يستثن شيئا مما تعوّدت الفئات الاجتماعية الواسعة على استهلاكه. ورغم أن البلاد لم تشهد احتجاجاتٍ واسعة على غلاء الأسعار، إلا أن الامتعاض الشعبي من بقاء الحكومة مكتوفة اليد أمام انفراد المتحكّمين في السوق الداخلية، يسري كالنار في الهشيم ويُنذر، إذا استمرّت موجة الغلاء في ارتفاعها بالأسوأ، فصمت المجتمعات في الأزمات الشديدة، ليس مؤشّرا جيدا، وهو بمثابة جرس إنذار، لمن هم في مسؤولية تدبير الشأن العام.

ارتفاع المديونية وعدم التحكم فيها مؤشّر على فشل الأهداف والبرامج التنموية التي سار على نهجها المغرب

لم تكن البلاد، في السابق، قد شهدت غلاءً بهذه الحدّة. مع ذلك، كانت أصوات الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية تصدح وتنبّه إلى المخاطر الناتجة من السياسات الحكومية المنضبطة لتوجّهات المؤسّسات المالية الدولية. أما اليوم، فأغلب الأحزاب السياسية والنقابات العمالية خرجت من الخدمة، وتركت الشارع والفئات الاجتماعية المتضرّرة وحيدة أمام مصيرها الذي يزداد قتامةً مع الأيام، فالدولة تمكّنت من هزيمة الأحزاب، بقصّ أظافرها وتحويلها إلى إطارات فارغة من الأدوار التاريخية التي لعبتها مع القادة والزعماء التاريخيين، أمثال عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي ومحمد نوبير الأموي والفقيه البصري ومحمد بن سعيد آيت يدر. لكن لتحويل الأحزاب السياسية إلى كائنات بدون عمود فقري مخاطر جمّة، فالأحزاب تقوم بدور الوساطة بين المجتمع والسلطة، وإذا فقدت الأحزاب المصداقية وانفضّ من حولها الناس، ستكون السلطة منفردة في مواجهة غضب الشارع، وهي وضعية تسير نحوها البلاد، فالعجز الاقتصادي يزداد تفاقما، فيما الحكومات التي تعاقبت على التسيير لا تجد بديلا، سوى الاستمرار في إثقال كاهل البلاد بديون جديدة. والطامّة الكبرى، أن هذه الديون، تخصّص لتمويل نفقات التسيير، ما يضع البلاد في دوّامة لا تنتهي، فلتسديد فائدة الديون المتراكمة تلجأ الحكومات إلى ديون جديدة.

ارتفاع المديونية وعدم التحكم فيها مؤشّر على فشل الأهداف والبرامج التنموية التي سار على نهجها المغرب، وأبقتها تحت رحمة المؤسّسات المالية الدولية. فبعد فشل النموذج التنموي القديم، ها هي البلاد تتبنّى نموذجا تنمويا جديدا في أفق 2035، يضع على عاتقه نثر الآمال والوعود في ظل واقع، تُغيَّب فيه الحقيقة، حقيقة وضعية اجتماعية صعبة، فالتنمية في ظل مديونية ثقيلة تصبح مستحيلة بحسب عالم الاقتصاد جوزيف ستيغليز، الحائز جائزة نوبل، وتضطر الدول، للوفاء بديونها، للتضحية بتنمية قطاعات حيوية، كالتعليم والصحة وإحداث فرص عمل جديدة للشباب خريج الجامعات.

سيستمرّ الوضع على ما هو عليه، ما دامت الحكومات لم تتمكّن من القطع مع الفساد. فما الذي يجعل بلدا، جريحا كرواندا، يحقّق كل هذا الإقلاع التنموي، لولا عزيمة الرئيس بول كاغامي الذي وضع البلاد على سكّة الإصلاحات الكبرى، فتحولت بذلك من بلدٍ فتكت به الحروب الأهلية إلى بلدٍ يولد من جديد؟

عبد الحفيظ السريتي
عبد الحفيظ السريتي
باحث وناشط حقوقي مغربي، عضو في المكتب التنفيذي لمؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة