عنصرية مقيتة ضد السوريين
فتحت جريمة قتل باسكال سليمان، منسق حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، في منطقة جبيل الأسبوع الماضي، الباب واسعاً لفصل جديد ومقيت من كل أشكال العنصرية تجاه السوريين في لبنان.
يمكن التشكيك إلى ما لا نهاية برواية الأجهزة الأمنية المتضاربة عن الجريمة وتفاصيل العصابة التي تقف خلفها (صادف أنهم يحملون الجنسية السورية)، والمطالبة بتحقيقٍ شفّاف وواضح يكشف تفاصيل ما جرى من دون محاولات تستّر هنا أو هناك. ولا يمكن لوم الذين لا يصدّقون رواية الأجهزة الأمنية، فلها في تعمية الحقائق سوابق عدة في بلد أنهكته الاغتيالات السياسية والجرائم الغامضة التي يمنع فيها الوصول إلى أجوبة شافية.
وفي بلد يكاد الحديث عن سلم أهلي فيه يكون أقرب إلى مزحة من كونه حقيقة، بعد العجز عن الخروج الفعلي والكلي من حقبة الحرب الأهلية، لا يبدو مستغرباً أن يلجأ حزب القوات إلى وضع الجريمة في إطار اغتيال سياسي، ويتم رفع مستوى الاستقطاب للتصويب على حزب الله و"وجوده غير الشرعي" و"جزيرته المولّدة للفوضى" أو حتى ملفّ المعابر غير الشرعية بين لبنان وسورية، والذهاب للحديث عن "خصي إدارات الدولة القضائية والأمنية والعسكرية".
ما يبقى مستغرباً ومستهجناً هو التصويب على السوريين في لبنان والتحريض عليهم بشتى الطرق قبل أن ينتقل التحريض إلى الفعل. وعلى مدى الأيام الماضية، شهدت عدة مناطق لبنانية اعتداءات بالجملة بحقّ السوريين. ضرب وإهانات وطرد من المنازل والمحلات التجارية وحظر تجول ووعيدٍ بالويل والثبور وعظائم الأمور. وليست هذه المشاهد استثناء في المشهد اللبناني، إذ تكرّرت مرّات عدة على مدى السنوات الماضية مستهدفة السوريين، ومتّخذة من ملف لجوئهم/ نزوحهم إلى لبنان فرصة للاستقطاب والتحريض مع كل فرصةٍ تسنح لتحقيق ذلك. وتقف الدولة اللبنانية في كل مرّة في موقع المتفرّج على ما يجري، بعدما تخلت عن كثير من أدوارها، بما في ذلك ما يجري من مؤشّرات للانزلاق إلى العنف.
التعامل مع ملف اللجوء السوري في لبنان على أنه ليس أزمة أو لم يعد يشكّل أزمة يجافي الحقائق على الأرض. لكن المهم كيفية إدارته بشكل صحيح. لا يبدو أن الدولة تريد أن تنخرط فعلياً في نقاش أو إجراءات للتعامل معه. تكتفي بتصريحاتٍ هنا وهناك، بل ويتخذ بعضها طابعاً تحريضياً على غرار ما قاله وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال العتيدة جورج بوشكيان بعد الجريمة إن "النازحين السوريين بدل عودتهم إلى المناطق الآمنة في بلدهم يفتعلون المشاكل في لبنان من دون سبب، إلا لإيقاع التفرقة بين اللبنانيين وبينهم وبين السوريين وتنفيذ جرائم الخطف والسرقة والتهريب وتعاطي الممنوعات وغيرها"، من دون أن يزوّدنا بإحصاءٍ واحد يدعم صحّة هذه التصريحات. أما ما قاله وزير الداخلية بسام مولوي إن وزارته ستكون أكثر حزماً في منح الإقامات للسوريين، فلم يكلف نفسه أن يخبرنا كيف ربط بين الجرائم وإقامات السوريين وكيف أن الحدّ منها سيغير الوضع. كما لم يخبرنا كيف أن حملات المداهمات والترحيل القسري للسوريين من لبنان أو حتى بدعة "العودة الطوعية" كانت قادرة على تبديل المشهد خلال السنوات الأخيرة.
تمثّل هذه التصريحات/ الإجراءات عيّنة من منظومة التفكير داخل الدولة اللبنانية تجاه هذا الملفّ، رغم أن من وراءها يدرك جيداً أنها إن كانت قادرة على دغدغة مشاعر المتعصبين إلا أنها فعلياً لا تتضمّن أي مقاربة واقعية وفعلية للملف.
ووسط موجة الكراهية الجديدة وخطاب التحريض، من المخجل ضرورة التذكير بما يفترض أنه بديهيات لجهة الحاجة إلى رفض وإعلاء الصوت ضد كل ما يتعرّض له السوريون في لبنان من انتهاكات وعنصرية وخطورة السماح بالتمادي في الحملات ضدّهم.