عندما يلعب الأسد على التوازنات الإقليمية والدولية

30 يونيو 2024
+ الخط -

منذ مؤتمر القمّة العربية في جدّة في مايو/ أيار 2023 الذي حل فيه بشّار الأسد، مستعيداً اعتباره في مجلس جامعة الدول العربية، ما تزال المبادرات العربية وغير العربية تتتالى في سياق إعادة التطبيع مع نظام دمشق، علماً أن السلطات السورية لم تبدِ ما يشجّع الآخرين على الاستمرار في مسعى التطبيع، لا على المستوى الأمني في ما يخصّ تصدير الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج، ولا على المستوى السياسي في ما يخصّ التفاعل مع العملية السياسية، والتعاون الإيجابي في ما يخصّ عودة اللاجئين السوريين في دول الجوار. وعلى الرغم من لامبالاة الأسد بما يريده منه أقرانه العرب، لم ينقطع المسعى العربي، بل ربما ظل مسعى إعادة تعويم الأسد وإنعاشه قائماً، وتجلى ذلك في دعوته لحضور قمة المنامة في مايو/ أيار الماضي، أعقبه افتتاح رسمي للسفارة السعودية في دمشق، فضلاً عن إعادة ملف الحج من الحكومة السعودية إلى حكومة الأسد، الأمر الذي بات يدعو السوريين جميعاً إلى التساؤل: ما الذي تريده الحكومات العربية من الأسد؟ وما النفع الذي ستحظى به جرّاء التطبيع مع نظام متهالك أمنياُ واقتصادياً، إلى درجة أنه عاجزٌ عن كفاية شعبه من الحدّ الأدنى لمقومات الحياة الأساسية، وبالتالي، ما هو الدور الذي يمكن أن ينهض به الأسد عربياً أو إقليمياً من الناحيتين، السياسية والأمنية؟ وما الذي يجعل القادة العرب يكتمون خذلانهم من سلبيته في التعاطي معهم، كما يكظمون غيظهم جرّاء منطقه الفوقي، وتعاطيه الاستعلائي حيالهم من الناحية الإعلامية على الأقل؟

ربما تحيل التساؤلات السابقة إلى اعتقاد كثيرين بأن بشّار الأسد قد ورث من أبيه براعة اللعب على التوازنات الإقليمية والدولية، وهو ما يزال شديد البراعة في هذا الضرب من الاستثمار. ومن جهة أخرى، يمكن تأكيد أن الأسد الابن لم يعد يملك أوراق القوة التي كانت في حوزة أبيه، إذ يدين، منذ سنوات، باستمرار سلطته لأقوى حليفين دوليين له، روسيا وإيران. وبالتالي، بات كيانه (دولةً)، بل سلطته التنفيذية، باتت مرهونة بكثير من سلوكها بيد الحلفاء، فهل هذا يعني أن الكيان الأسدي برمّته بات جزءاً من أدوات اللعبة الدولية، أي أداة يمكن التحكّم بها والمقايضة بمقدّراتها، وذلك على نقيض الدور الذي مارسه الأسد الأب؟

اقتراب الرياض، وتالياً دول الخليج، من نظام الأسد ليس مقصوداً بذاته، بل محطّة عبور أو تلاقٍ بين إيران ودول الخليج

لعل إصرار الرياض على استكمال خطوات التطبيع مع نظام دمشق ينطوي على شطر من الجواب عن التساؤلات السابقة، كما يكشف هذا المنحى السياسي للحكومة السعودية مجمل الأوهام التي يتوهمها بعضهم بأن نظام الأسد هو من يساوم دول الخليج أو يمارس عليها نوعاً من الابتزاز تحت شعار "إبعاد إيران عن سورية"، بل لعل الوقائع تفيد بأن إيران هي من يقرّر "اقتراب نظام الأسد أو ابتعاده" عن العرب، ويحيل أصحاب هذا الرأي إلى ما أفضت إليه التفاهمات السعودية الإيرانية برعاية صينية في بكين، في مارس/ آذار 2023، إذ كانت عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية في حينه جزءاً من تلك التفاهمات. وبناء عليه، يكون اقتراب الرياض، وتالياً دول الخليج، من نظام الأسد ليس مقصوداً بذاته، بل محطّة عبور أو تلاقٍ بين إيران ودول الخليج.

ولعل بعضاً من التساؤلات السابقة يتكرّر حضورها أيضاً في ما يخصّ الاندفاعة التركية تجاه نظام الأسد، إذ أبدت أنقرة أكثر من مرّة رغبتها بفتح حوار عام مع نظام الأسد، من شأنه أن يفضي إلى تسوية العلاقات بين البلدين، إلّا أن نظام الأسد أراد للخطوة التركية أن تكون مشروطة بانسحاب تركي كامل من الأراضي السورية، وواقع الحال يشير بمزيدٍ من الوضوح إلى أن أنقرة لا تخفي مبتغاها من هذا التقارب، إذ تؤكّد بوضوح أنها تهدف إلى تشجيع نظام الأسد، بل دعمه إذا اقتضى الأمر، من أجل إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها الجنوبية وإبعاد شبح قيام كيان كردي يهدد أمنها القومي، إلّا أن التساؤل الذي يحضر بقوة أيضاً: هل بمقدور الأسد والأتراك معاً القيام بهذه المهمّة في ظل الحماية الأميركية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك في ظل الوجود الأميركي في شرق سورية؟

ربما يعتقد الروس أن مصالحة تركية سورية، تعقبها تسوية في سورية، تسحب الذرائع من واشنطن

لعل الروس يدفعون بهذا الاتجاه، وربما يعتقدون أن مصالحة تركية سورية، تعقبها تسوية للحل في سورية، تسحب الذرائع من واشنطن، بل يمكن أن تؤدّي إلى انسحاب أميركي من سورية، بعد تسوية أيضاً بين "قسد" ونظام الأسد. وبهذا، يحقّق الروس هدفاً بالحفاظ على نظام الأسد، لقاء تلبية المصالح التركية بزوال ما يمكن تسميته الخطر الكردي.

ولكن السؤال الذي يبقى معلقاً: إذا كانت الكيانات الرسمية للمعارضة السورية شديدة الطواعية للتوجّهات الدولية والإقليمية، إذ هي بحكم دورها الوظيفي لا تستطيع الخروج عمّا ترسمه تفاهمات أستانة، فما هو موقف بقية قوى الثورة السورية من أحزاب ومنظمات وحراك شعبي؟ لعل جزءا من الجواب تجسّد في موقف مماثل في صيف عام 2022، حين أعلن وزير الخارجية التركي آنذاك، مولود جاويش أوغلو، عن استعداد بلاده لإجراء مصالحة بين الأسد والمعارضة السورية، حين تحول الشمال السوري وبقية المناطق المحرّرة إلى كتلة ملتهبة من المظاهرات والاحتجاجات على الموقف التركي، فهل يستطيع هذا الحراك ذاته أيضاً إيقاف عجلة المصالحة المفترضة؟

عكيدي
عبد الجبار عكيدي
عقيد سابق منشقّ من الجيش السوري، قائد المجلس العسكري للجيش السوري الحر في محافظة حلب.