عندما يكبح الاحتلال حماس
منذ إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، منتصف الشهر الماضي (فبراير/ شباط) مرسوم إجراء الانتخابات العامة، وحملة الاعتقالات الإسرائيلية في تصاعُد، وعنوانها تحذير كوادر حركة حماس وقيادييها من الترشُّح، أو لعب دور في الانتخابات التشريعية. وليس خافيًا موقف دولة الاحتلال من "حماس"، ومن أيّ ظروف تساعدها في البقاء، فضلًا عن مضاعفة تأثيرها في الحياة الفلسطينية. وذلك عائدٌ إلى إصرار الحركة على رفض الاعتراف بإسرائيل، وعلى احتفاظها بالخيار العسكري في المقاومة، ولو أنها بدأت، منذ فترة، في تفعيل المقاومة السلمية. كما لا يُغفِل قادة الاحتلال المرجعية الدينية للحركة، بما يبقيها في تناقضٍ جذريٍّ مع شرعية إسرائيل، ليس من السهل التغلُّب على أسبابه العَقدية. وتزداد هذه العدائية مع تنامي التيَّارات الدينية المتطرّفة والعنصرية في إسرائيل، ورجوع أحزابٍ تنادي بطرد العرب وترحيلهم عن فلسطين، إلى الحياة السياسية والكنيست.
يعوّل قادة الاحتلال على علاقات ممتازة مع نظُم عربية تشغل دولًا مركزية
وعربيًّا، يعوِّل قادة الاحتلال على علاقات ممتازة مع نظُم عربية تشغل دولًا مركزية، كمصر، وأخرى تمنح إسرائيل مزيدًا من الامتداد والانخراط في المنطقة العربية، كدولٍ خليجيةٍ طبّعت تطبيعًا كاملًا معها؛ ما يشكّل بيئة سياسية مواتية لمحاصرة حركات المقاومة، والضغط عليها، أو في أحسن الأحوال خذلانها، وقت العدوان، أو الحصار.
ولذلك، على الرغم من وجود توجُّه لدى أوساط أميركية، وأقلّ منه لدى أوساط إسرائيلية، نحو دمج "حماس" في اللعبة السياسية، واستدراجها إلى الالتزام العملي؛ على أمل تطوّر مواقفها إلى القبول الصريح بالاشتراطات والقيود التي حكمت العلاقة بدولة الاحتلال، منذ اتفاقية أوسلو، بتحميلها أعباء الحكم ورعاية المصالح الحيوية واليومية للفلسطينيين، لا يبدو أن هذا الخيار هو المتقدّم، الآن، على الرغم من نتائجه العملية التي تفضل استبقاءَ الحركة في موقع المواجهة العسكرية، فقط، متحلِّلةً من ثقل أدوارها الحكومية. ولذلك يجري تجاهل التغيرات غير الطفيفة التي طرأت على موقف "حماس"، بعد قبولها المشاركة في الانتخابات التشريعية؛ استنادًا إلى التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين تُجاه دولة الاحتلال.
القيادة الفلسطينية لا تريد تكرار سيناريو 2006، عندما قاطع العالم نتائج الانتخابات التي فازت فيها "حماس" بأغلبية المجلس التشريعي
وهنا من الضروري الوقوف على الموقف الحقيقي للإدارة الأميركية من إجراء الانتخابات، في هذا التوقيت، وبهذه التشكيلات السياسية التي تشغل منها "حماس" موقعًا شعبيًّا لا يمكن تجاهلُه، فمع تردُّد أخبار عن عدم تحمُّس إدارة الرئيس جو بايدن لانعقاد هذه الانتخابات، من المستبعَد أن تكون رعاية القاهرة الحوارات الفلسطينية (انتهت إلى التوافق بين أطرافها، وخصوصا حركتي فتح وحماس، على الذهاب إلى انتخابات تشريعية، ثم رئاسية، وبعدها انتخابات المجلس الوطني)، تمّت من دون ضوءٍ أخضر أميركي. ولذلك قد يكون موقف واشنطن، النهائي والصريح، متوقّفًا على الجهات الفائزة في الانتخابات؛ هل تكون مسايرة للعملية التفاوضية ومرجعيَّاتها؟ وهل تُبقي على التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، بما يضمن (استقرار) الأوضاع في الضفة الغربية، وحتى قطاع غزة؟ مع ترجيح انشغال إدارة بايدن عن هذا الملف إلى ملفَّات أكثر حيوية.
والمعهود من الإدارات الأميركية، على اختلافها، تمسُّكها بأن الخيار الديمقراطي شأن فلسطيني وضرورة قبول المشاركين بالعملية الديمقراطية للاتفاقيات السابقة، ونبذ العنف والإرهاب، والاعتراف بحقِّ اسرائيل بالوجود. وفي هذا السياق، جاء في تقرير للقناة 12 العبرية، إن إدارة بايدن طلبت من الرئيس محمود عباس توضيحات بخصوص الشراكة مع "حماس" في الانتخابات، للاطمئنان على أن أيَّ حكومة فلسطينية قادمة يجب أن تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف، وتحافظ على الاتفاقيات، وتلتزم بها.
اعتقالات عنوانها تحذير كوادر حماس من الترشُّح أو لعب دور في الانتخابات التشريعية
ولا يرجَّح أن تقلِّل السلطة من شأن الموافقة الأميركية على إجراء الانتخابات، والقبول بنتائجها؛ لأن القيادة الفلسطينية لا تريد تكرار سيناريو 2006، عندما قاطع العالم نتائج الانتخابات التي فازت فيها "حماس" بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني. وفق نظرة فلسطينية رسمية حرصت على كسْب رضا الإدارة الأميركية الجديدة. وفي هذا السياق، يُفهَم تأكيد مصادر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لـ "العربي الجديد" إرسال عباس رسالة، باسم منظمة التحرير، إلى مسؤول ملف الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في وزارة الخارجية الأميركية، هادي عمرو، يؤكِّد فيها الأسس التي ستجري على أساسها الانتخابات الفلسطينية، وهي برنامج منظمة التحرير السياسي، ووثيقة الوفاق الوطني عام 2006، والقانون الفلسطيني الأساسي المعدّل عام 2003 ومخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في اسطنبول ورام الله العام الماضي، وإعلان القاهرة في العاشر من شهر فبراير/ شباط الماضي. وهي أسس تتضمَّن، بشكل صريح، اعتراف منظمة التحرير بدولة الاحتلال، فوق أن قانون الانتخابات لعام 2007 اشترط على المرشّح لعضوية المجلس التشريعي الاعتراف بوثيقة الاستقلال.
وعليه، الملاحقات والتضييقات الاحتلالية لقيادات "حماس" المتوقَّع ترشُّحها للانتخابات تصبُّ في الهدف المتفق عليه أميركيًّا، ومن ثم إسرائيليًّا، كبْح الحركة عن الاستحواذ على الأغلبية التشريعية؛ بما يمنحها قدرةً على ترؤُّس الحكومة، ما لم تصدر عن الحركة تحوُّلاتٌ صريحةٌ وكبيرةٌ، نحو الالتزام بالاشتراطات المعروفة، في إطار السعي إلى قيادة فلسطينية أقرب إلى تقبُّل الانزياحات المجحفة التي لحقت بالقضية الفلسطينية، سيما في عهد الرئيس دونالد ترامب، وصفقة القرن التي نُفِّذت على الأرض بنودٌ مهمَّة منها.