عندما يعود المالكي إلى الواجهة

26 أكتوبر 2022

(مروان قصّاب باشي)

+ الخط -

بتعبير أحد رجال حزب الدعوة في العراق، فإن زعيمه نوري المالكي الذي بدا في الشهور الأخيرة منكفئا على نفسه إثر موجة التسريبات التي طاولته، عاد إلى موقع الصدارة في العملية السياسية الماثلة بعد فشل "الانقلاب" السياسي الذي قاده مقتدى الصدر، وإعلان الأخير عزلته وانصرافه عن السياسة، والمالكي هو الذي رشّح محمد شياع السوداني لتولي رئاسة الحكومة، وأصر على ذلك، رغم عدم رضا بعض قادة الإطار التنسيقي على الترشيح. وبذلك تحوّل المالكي من جديد إلى "رجل أول"، وقد خطّط ليكون حاكم العراق الفعلي للسنوات الأربع المقبلة، إذ هو الذي سيقود حكومة السوداني، ويخضعها لتوجّهاته، وسيظل السوداني ظله السائر وراءه بانتظام ودراية. وعندما تنتهي السنوات الأربع، حسب تقديراته الشيطانية، يكون المالكي قد لملم أدواته، واستعاد أرضه التي خسرها في مرحلة سابقة، مراهنا على ذاكرة العراقيين القاصرة في أن ينسوا حكاية التسريبات و"الارتكابات" التي حدثت على يديه. عندها يصبح المرشّح الأوحد لرئاسة الحكومة، ومن دون منافس، عبر انتخاباتٍ لن تجيء هذه المرّة "مبكّرة"، بعد أن تكون مزحة "الانتخابات المبكّرة" الثقيلة قد فقدت زخمها بفعل الزمن.

وراء هذا "السيناريو" المحكم، تقف إيران التي لم تألُ جهدا إلا وبذلته لمواجهة "انقلاب" الصدر، ودفعه إلى العزلة، بعدما أجبرت المرجع الشيعي، كاظم الحائري، الذي يحظى بموالاة الصدريين له، على التخلي عن واجباته الدينية، ودعوته لهم إلى "إطاعة قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي"، باعتباره "الأكفأ على قيادة الأمة". وهذا المسار تمت طبخته في قم، واعتبر ضربة لمقتدى الصدر وأتباعه، خصوصا وقد حمل إعلان الحائري دعمه مليشيات "الحشد الشعبي" قوة مستقلة مماثلة للحرس الثوري الإيراني، وهو ما أغضب الصدر الذي اعتبر "النجف المقرّ الأكبر للمرجعية".

وعبر هذا "السيناريو أصبحت أمام المالكي مساحة أكبر للعب دور نشيط وفاعل، وللانغماس أكثر في المشروع الإيراني، وتوظيف كل مرافق الدولة في خدمته، كما سيجد الفرصة سانحةً أمامه للاقتصاص من خصومه الصدريين والتشرينيين، وكل الذين عملوا على معارضة توجهاته، وحتى من هم ما زالوا ينشطون داخل العملية السياسية نفسها، تسانده في ذلك مليشيات فاعلة ونشيطة وجيوش إلكترونية أغدق عليها من المال العام في أثناء ولايتيه الشريرتين، كي تعينه وقت الأزمات، وتبرّر سياساته وأفعاله.

لم ينتظر المالكي أن تتشكّل الحكومة الجديدة، كي ينفذ مخططه، إذ حرّض أعوانه في "الحشد الشعبي" على القيام بحملة اعتقالات في أكثر من محافظة عراقية

ولم ينتظر المالكي أن تتشكّل الحكومة الجديدة، كي ينفذ مخططه، إذ حرّض أعوانه في "الحشد الشعبي" على القيام بحملة اعتقالات في أكثر من محافظة عراقية ضد معارضين وصفوا بأنهم "بعثيون يعيدون بناء حزبهم، ويخطّطون للقيام بعملية انقلابية"، وجرى تعذيبهم وإجبارهم على توقيع إفادات كاذبة، وقد فارق الحياة أحدهم نتيجة ذلك.

وعلى الوتيرة نفسها، أطلق بعض زعماء المليشيات حملة مطالبات بمنع سفر رئيس حكومة تصريف الأعمال، مصطفى الكاظمي، ووزرائه، ومحاكمتهم على مسؤوليتهم عن اتخاذ إجراءات، وإصدار أوامر خارج صلاحياتهم، ألحقت أضرارا بالدولة، ووصف بعضُهم الكاظمي بأنه عميلٌ للغرب ومتواطئ مع دول خليجية، وأعادوا ذكر اتهام جهات إيرانية له بدور مفترض له، عندما كان رئيسا لجهاز المخابرات في عملية اغتيال رجل إيران القوي قاسم سليماني التي نفذها الأميركيون في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، مع أن مجيء الكاظمي إلى رئاسة الحكومة في حينه، جاء نتيجة توافق أطراف العملية السياسية، وفي مقدمتها حزب الدعوة والمالكي نفسه.

ولم يسلم مقتدى الصدر والصدريون من هذه الحملة، إذ تردّدت إشارات على مواقع يديرها مليشياويون معادون للصدر إلى مسؤوليته عن مقتل مدنيين ورجال أمن في أثناء اقتحام المنطقة الخضراء، وكذا الشروع في تنفيذ انقلاب، وربما تتطوّر هذه الحملات لاحقا بقصد استبعاد أي احتمال لقيام مقتدى الصدر بدور سياسي مستقبلا.

جولة جديدة من الاحتجاجات في بغداد والمحافظات قد تنطلق في أية لحظة

ورغم كل هذا النشاط المحموم من وكلاء إيران، فإن هناك بينهم من يعتقد أن الأمور لا تجري بالنسبة لهم على نحو سهلٍ وسلس، وأنهم قد يواجهون في المرحلة المقبلة من التحدّيات ما يصعب عليهم التصدّي له، خصوصا بعد إعلان قوى شعبية عن جولة جديدة من الاحتجاجات في بغداد والمحافظات قد تنطلق في أية لحظة، وقد رسمت هذه القوى خريطة طريقٍ نحو إنهاء حكم المحاصصة الطائفية، وإقامة دولة مؤسّسات وحريات وعدالة اجتماعية، وإنهاء المليشيات والمافيات، وحصر السلاح بيد الدولة، والكشف عن مرتكبي الجرائم السياسية وقتلى الناشطين، وإحالتهم إلى القضاء، والعمل على مكافحة الفقر والفساد.

وربما تشكل "النسخة" الجديدة من حركة الاحتجاجات خطوة عملية على طريق التغيير الشامل الذي يطمح إليه العراقيون.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"