عندما تعمل إسرائيل لتصنيف حماس "منظمة إرهابية" في الهند
أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، مع بداية "عملية طُوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أن بلاده متضامنة مع إسرائيل واصفاً العملية "بالهجمات الإرهابية"، وفي هذا تحول في مواقف الهند؛ ففي "المواجهات" السابقة بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية، كانت نيودلهي تستخدم مصطلح "المسلحين" من دون "الإرهاب". وقد أشادت إسرائيل بموقف الهند "لإدانتها المبكّرة والحازمة للإرهاب"، ودعت نيودلهي إلى "تصنيف حماس رسمياً منظمة إرهابية داخل البلاد"، وتواصل إسرائيل حواراتها مع السلطات الهندية المختصة لتتبنّى نيودلهي هذه الخطوة، وسيكون قرار الهند في هذا مؤشّراً مهماً على الموقف الهندي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ككل.
في تصريحاتها غير المسبوقة، قالت الهند "إنها تدين بشدة وبشكل لا لبس فيه الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره"، وإن "هناك مسؤولية عالمية لمكافحة خطر الإرهاب"، "وعلى المجتمع الدولي أن يقف صفاً واحداً في مكافحة الإرهاب". لكن الهند تحاشت، في البداية، ذكر حركة حماس بوضوح، واكتفت نيودلهي "بوصف" ما حدث بأنهُ "هجوم إرهابي"، من دون إدانة صريحة لحركة حماس. ثم ذكرتها أول مرة في نيودلهي، بعد العملية، في بيان صحافي صادر عن الخارجية الهندية في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، عندما أشير إلى الحركة طرفاً في الصراع في المنطقة؛ "حول التطورات في منطقة غرب آسيا والصراع بين إسرائيل وحماس"، وأعربت عن "القلق العميق إزاء الإرهاب...". وقالت مندوبة الهند الدائمة لدى الأمم المتحدة روشيرا كامبوج، يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، "لقد وقع الهجوم الإرهابي في إسرائيل في 7 أكتوبر... ".
في توضيحٍ للتفاعلات التي تجري في الهند، نقلت صحيفة The Hindu "الهندوس" في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عن مصادر دفاعية هندية لم تُذكر، إن "الجيش الهندي يجري تحليلاً دقيقاً للهجمات غير المسبوقة ومتعدّدة الجوانب على إسرائيل من حركة حماس المسلحة لاستخلاص الدروس ذات الصلة؛ نظراً إلى طبيعة التهديدات الإرهابية التي تواجهها الهند". ومن هنا، تُوضع السياسة العلنية حول تضامن الهند مع الجانب الإسرائيلي في إطار وضع مشترك بين البلدين في قضية "مكافحة الإرهاب".
سيكون قرار الهند فيما يخص حماس مؤشّراً مهماً على الموقف الهندي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ككل
كانت الهند، في السابق، تستخدم عبارات مثل "حركة حماس المسلحة"، واتجهت إلى وصف غير مسبوق لعمليات الحركة أخيرا، ووصفتها بأنها "إرهابية"، ومن ثم أشار بيان الخارجية الهندية إلى "الصراع بين إسرائيل وحماس". ويمكن النظر إلى هذا كله في سياق بلورة الموقف الهندي من الدعوات الإسرائيلية إلى تصنيف حركة حماس "منظمّة إرهابية".
لم يجب المتحدث الرسمي للخارجية الهندية أريندام باجشي على سؤال طُرح في الإحاطة الإعلامية الأسبوعية للوزارة، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عما إذا كانت بلاده ستتجه إلى تصنيف "حماس" منظمة إرهابية، وقال "إن تصنيف منظمّة إرهابية بموجب القوانين الهندية مسألة قانونية... أعتقد أننا كنا واضحين جداً في أننا ننظر إلى هذا باعتباره هجوماً إرهابياً. ولكن في ما يتعلق بالتصنيف، فإن السلطات المختصة هي المكان الأفضل للرد عليه".
هناك تفاعل شعبي هندي مؤيد للشعب الفلسطيني، وبعضها منظّم من مجموعات ومنظمّات هندية
يُعتبر قانون "منع الأنشطة غير القانونية" لعام 1967 (UAPA) القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب المعمول به في الهند، ويسمح بنسخته المعدلة الأخير لعام 2019 "لوكالات إنفاذ القانون باتخاذ إجراءات ضد الأفراد وكذلك المنظمات المشاركة في أنشطة غير قانونية، بما في ذلك الإرهاب"؛ يتضمّن القانون مجموعة من التشريعات القانونية لمواجه إي نشاط إرهابي أو تمويل أعمال إرهابية أو تعامل مع منظمة إرهابية أو أي نشاطٍ يهدف إلى تنفيذ أجندة إرهابية داخل الأراضي الهندية.
شكّلت المشاركة الافتراضية للرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في مسيرة تضامنية مع "شعب فلسطين" في مالابورام بولاية كيرالا (جنوب الهند)، في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، متغيّراّ جديداً في المشهد. إذ أثارت المشاركة انتقادات سياسية حادّة من أوساط في الهند، وتساؤلات قانونية عما حدث. كتب مسؤول حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) في الولاية كيه سوريندران، على منصة X: "الخطاب الافتراضي لزعيم حماس خالد مشعل في حدث التضامن في مالابورام مثير للقلق. أين شرطة ولاية كيرالا التابعة لبيناراي فيجايان؟ وتحت ستار "أنقذوا فلسطين"، فإنهم يمجدون حماس، وهي منظمة إرهابية، وقادتها باعتبارهم "محاربين". هذا غير مقبول".
نظمت المسيرة حركة الشباب التضامني (SYM)، التابعة لـ"جماعت إسلامي هند" (JIH)، وقال رئيس الحركة صهيب سي تي: "حماس ليست منظمّة نشطة أو محظورة في الهند. وبالتالي، فإن وجود زعيم حماس في هذا الحدث ليس مخالفاً للقانون". واعتبر بعضهم أن المسيرة قد تندرج في محاولة تأجيج التوترات الطائفية في الولاية؛ لأنها رفعت شعارات "مناهضة للهندوتفا (عقيدة دينية قومية هندوسية) ومعادية للصهيونية"، ولذلك، توعد أعضاء من حزب الشعب الهندي في ولاية كيرالا بإجراءات ضد منظمّي المسيرة والمشاركين فيها. وهذا ما قد يلتقي مع المساعي الإسرائيلية لتصنيف حركة حماس "منظمة إرهابية". وقد قال السفير الإسرائيلي لدى الهند ناؤور جيلون، في مؤتمر صحافي يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2023: "أعتقد أن الوقت قد حان أيضاً لتصنيف حماس رسمياً منظمةً إرهابيةً في الهند..."، وتابع: "لقد تحدثنا إلى السلطات المعنية هنا، وهذه ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن ذلك...". وفي خطوة إسرائيلية قد تكون حافزاً للهند لفعل الشيء نفسه مع حماس، صنّفت إسرائيل جماعة عسكر طيبة "منظمة إرهابية" يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وهي جماعة مصنّفة في قائمة المنظمات الإرهابية لدى الهند؛ تتهمها الأخيرة بتدبير "هجمات مومباي عام 2008".
يصعُب تجاوز المواقف الهندية الشعبية والمجتمعية المعارضة لتصنيف حركة حماس "منظمّة إرهابية"
ربما تتّجه نيودلهي إلى تصنيف بعض الشخصيات من حركة حماس بأنها "إرهابية"، وفي خيار أكثر ترجيحاً، ربما تتبنّى موقفاً تجاه الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسّام)، ومن ثم، أو تصنيف الحركة بشقيها العسكري والسياسي "منظمة إرهابية"، كما فعلت دول أخرى، في البداية، حظرت حكومة المملكة المتحدة الجناح العسكري لحركة حماس في عام 2001، ثم امتدّ هذا ليشمل "حماس" بأكملها في عام 2021.
على المدى القصير، يُستبعد أن تتجه الهند إلى أي خطوةٍ من الخطوات السابقة تجاه حركة حماس؛ وفقاً لما ينص عليه قانون "منع الأنشطة غير القانونية". إذ تحتاج عملية "التصنيف" معايير محددة؛ وتتسم أحكام "قانون منع الأنشطة غير القانونية" بالغموض القانوني؛ نظراً إلى إدراج مجموعة من التدابير التشريعية والقانونية يجرى اعتمادها بموجب "مكافحة الإرهاب"، والتي قد تحتاج إلى تحقيق قانوني دقيق للوصول إلى حالة "التصنيف". كما يصعُب تجاوز المواقف الشعبية والمجتمعية والمعارضة الحزبية داخل الهند لتصنيف حركة حماس "منظمّة إرهابية"؛ إذ كان هناك تفاعل شعبي هندي مؤيد للشعب الفلسطيني، وبعضها منظّم من مجموعات ومنظمّات هندية، مثل مسيرة التضامن مع فلسطين التي نظمّتها حركة الشباب التضامني، والتي أعربت عن أنها "تخطّط لتنظيم فعاليات مماثلة". أما على المستوى الحزبي؛ فقد أظهرت الحرب بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية مواقف حزبية متباينة داخل النظام السياسي الهندي، قد تحتاج مطالعة أخرى لمعرفة وتحديد أبعاد الرؤية الحزبية للسياسة الهندية تجاه حركات المقاومة الفلسطينية، والقضية الفلسطينية عموما.