25 اغسطس 2024
عشية الانقلاب التركي
مساء 15 يوليو/ تموز 2016، ونحن جالسون في مقهى شارع الأحلام، في إحدى تفريعات شارع الاستقلال قرب ساحة تقسيم في إسطنبول، بدأت أخبار الانقلاب العسكري تتوارد إلينا عبر "واتساب". كنت بصحبة الصديقين، جبر الشوفي وعدنان عبد الرزاق، وكان مقرراً أن ينضم إلينا علي فرزات وعمر كوش، أما ماجد كيالي الذي كان في طريقه إلينا فقد اتصل، وأخبرنا أنه عاد إلى بيته، حينما سمع الأخبار ورأى مظاهر الاضطراب في الشارع. وانضم إلينا عمر بعد قليل.
لم أستطع أن أفهم، على وجه التحديد، السبب الذي جعلني، أنا شخصياً، غير خائفٍ من تلك الأخبار التي كان بعضُها يتحدّث عن محاصرة ساحة تقسيم التي نسهر فيها، ربما لأنني عشت في بداية الثورة السورية لحظات ذعرٍ حقيقيةٍ هائلةٍ، كان أبرزَها إطلاقُ الرصاص الحي على مظاهرةٍ كنا نشارك فيها، أنا وتاج الدين الموسى، قرب جامع سعد في إدلب في يوليو/ تموز 2011، ثم توقيفي على حاجز في منطقة الرام شمالي إدلب، وأَخْذُ هويتي للتدقيق الكومبيوتري، ما يعني وجود احتمال أن أُعْتَقَل، وسقوط قذيفة على بعد ستة أمتار منا في بلدة معرتمصرين في أغسطس/ آب 2012، إضافة إلى مواقف كثيرة أقلّ خطورة.
ليس هذا وحسب، بل إن ما أبعد الخوف عني مشاهدتي البنات والشبان الأتراك والأجانب الذين كانوا يسهرون قربنا، وهم غيرُ مهتمين للأمر، بل ظلوا على ما هُم عليه من مرحٍ وضحك، وكأن البلد ما فيها انقلاب! أضف إلى أن صاحبة المقهى، حينما سألناها إن كانت تنوي إغلاق المقهى، ضحكتْ، وقالت: لا داعي لذلك. لم يطلب منا أحدٌ إغلاق محلاتنا.
ولكن، وفي حوالي الحادية عشرة والربع، بدأ الناس يركضون قادمين من جهة ساحة الاستقلال، من دون أن يكون هناك أي صراخ، أو صوت إطلاق نار، أو تفجيرات، ولم يكن ضمن المشهد أي نوعٍ من العسكر أو رجال الشرطة. بالتالي، لم نعرف سبب هروب هؤلاء الناس، ونحن مشينا، من دون أن نركض، في الاتجاه نفسه، نحو شارع طارلاباشي الذي كان خالياً، على غير عادته، من السيارات والبشر، فتابعنا نزولاً عبر زواريب صغيرة تتفرع عنه، إلى أن وصلنا إلى شارع رئيسي تعبره سياراتٌ كثيرة، ولكن سيارات الأجرة لم تكن تستجيب للواقفين إلى طرف الشارع، إلا نادراً.
بصعوبةٍ بالغةٍ، عثرنا على سيارة أجرة. وعلى الفور اشترط علينا السائق أنه لا يذهب إلى مكان بعيد، فقلتُ لعمر وعدنان أن يذهبا معه، لأن منزليهما قريبان، وفي الاتجاه نفسه. وبعدها حصلت حالة من الاستعصاء، إذ لم تستجب لنا أية سيارة، فقلت لجبر: ما رأيك أن نمشي إلى بيت ماجد كيالي القريب، ونبيت عنده؟ قال: لنترك هذا الحل احتياطياً، وننتظر. فانتظرنا إلى حين وقفت سيارة، وفيها السائق ومعه راكب، قلنا له: إلى "Esenler". فقال: آخذكم، بشرط: نوصل الراكب إلى "Merter" ثم نتابع. وأنا لست مسؤولاً عن إيصالكم إذا تعثر ذلك.
كانت الرحلة، عبر هذه السيارة، قمةً في الإثارة. الوقت تجاوزَ منتصف الليل، ونحن (جبر والسائق والراكب وأنا) ترن تلفوناتنا بلا انقطاع، فكل واحدٍ منا يتصل به أهلُه من تركيا، أو من خارجها، ليطمئنوا عليه. تجاوز الوقت منتصف الليل، والألوف، عشرات الألوف من أهل إسطنبول، رجال ونساء وأولاد، يخرجون للوقوف في وجه الانقلاب. والسيارة، بعد أن نقطع مسافة جيدة، تصطدم بسدٍّ بشري يصعب تجاوزه، فنعود القهقرى، إلى أن وصلنا، بعد ساعةٍ ونصف، إلى الفندق الذي ينزل فيه جبر، باعتباره مشاركاً في ورشة بحثية. وبالطبع، لم يكن ذهابي إلى منزلي القريب من المطار ممكناً، لأن مئات الألوف من الإسطنبوليين كانوا يزحفون إلى المطار، وطريقه مغلق تماماً. فأمضيت اللية في ضيافة صديقي جبر. (وللحديث صلة).
لم أستطع أن أفهم، على وجه التحديد، السبب الذي جعلني، أنا شخصياً، غير خائفٍ من تلك الأخبار التي كان بعضُها يتحدّث عن محاصرة ساحة تقسيم التي نسهر فيها، ربما لأنني عشت في بداية الثورة السورية لحظات ذعرٍ حقيقيةٍ هائلةٍ، كان أبرزَها إطلاقُ الرصاص الحي على مظاهرةٍ كنا نشارك فيها، أنا وتاج الدين الموسى، قرب جامع سعد في إدلب في يوليو/ تموز 2011، ثم توقيفي على حاجز في منطقة الرام شمالي إدلب، وأَخْذُ هويتي للتدقيق الكومبيوتري، ما يعني وجود احتمال أن أُعْتَقَل، وسقوط قذيفة على بعد ستة أمتار منا في بلدة معرتمصرين في أغسطس/ آب 2012، إضافة إلى مواقف كثيرة أقلّ خطورة.
ليس هذا وحسب، بل إن ما أبعد الخوف عني مشاهدتي البنات والشبان الأتراك والأجانب الذين كانوا يسهرون قربنا، وهم غيرُ مهتمين للأمر، بل ظلوا على ما هُم عليه من مرحٍ وضحك، وكأن البلد ما فيها انقلاب! أضف إلى أن صاحبة المقهى، حينما سألناها إن كانت تنوي إغلاق المقهى، ضحكتْ، وقالت: لا داعي لذلك. لم يطلب منا أحدٌ إغلاق محلاتنا.
ولكن، وفي حوالي الحادية عشرة والربع، بدأ الناس يركضون قادمين من جهة ساحة الاستقلال، من دون أن يكون هناك أي صراخ، أو صوت إطلاق نار، أو تفجيرات، ولم يكن ضمن المشهد أي نوعٍ من العسكر أو رجال الشرطة. بالتالي، لم نعرف سبب هروب هؤلاء الناس، ونحن مشينا، من دون أن نركض، في الاتجاه نفسه، نحو شارع طارلاباشي الذي كان خالياً، على غير عادته، من السيارات والبشر، فتابعنا نزولاً عبر زواريب صغيرة تتفرع عنه، إلى أن وصلنا إلى شارع رئيسي تعبره سياراتٌ كثيرة، ولكن سيارات الأجرة لم تكن تستجيب للواقفين إلى طرف الشارع، إلا نادراً.
بصعوبةٍ بالغةٍ، عثرنا على سيارة أجرة. وعلى الفور اشترط علينا السائق أنه لا يذهب إلى مكان بعيد، فقلتُ لعمر وعدنان أن يذهبا معه، لأن منزليهما قريبان، وفي الاتجاه نفسه. وبعدها حصلت حالة من الاستعصاء، إذ لم تستجب لنا أية سيارة، فقلت لجبر: ما رأيك أن نمشي إلى بيت ماجد كيالي القريب، ونبيت عنده؟ قال: لنترك هذا الحل احتياطياً، وننتظر. فانتظرنا إلى حين وقفت سيارة، وفيها السائق ومعه راكب، قلنا له: إلى "Esenler". فقال: آخذكم، بشرط: نوصل الراكب إلى "Merter" ثم نتابع. وأنا لست مسؤولاً عن إيصالكم إذا تعثر ذلك.
كانت الرحلة، عبر هذه السيارة، قمةً في الإثارة. الوقت تجاوزَ منتصف الليل، ونحن (جبر والسائق والراكب وأنا) ترن تلفوناتنا بلا انقطاع، فكل واحدٍ منا يتصل به أهلُه من تركيا، أو من خارجها، ليطمئنوا عليه. تجاوز الوقت منتصف الليل، والألوف، عشرات الألوف من أهل إسطنبول، رجال ونساء وأولاد، يخرجون للوقوف في وجه الانقلاب. والسيارة، بعد أن نقطع مسافة جيدة، تصطدم بسدٍّ بشري يصعب تجاوزه، فنعود القهقرى، إلى أن وصلنا، بعد ساعةٍ ونصف، إلى الفندق الذي ينزل فيه جبر، باعتباره مشاركاً في ورشة بحثية. وبالطبع، لم يكن ذهابي إلى منزلي القريب من المطار ممكناً، لأن مئات الألوف من الإسطنبوليين كانوا يزحفون إلى المطار، وطريقه مغلق تماماً. فأمضيت اللية في ضيافة صديقي جبر. (وللحديث صلة).