عبد الحليم وعبد الوهاب
ولد عبد الحليم حافظ، (اسمه الأصلي عبد الحليم شبانة) يوم 21 يونيو/ حزيران 1929، أي قبل 92 سنة، وتوفي سنة 1977، وقد أصبح، خلال حياته القصيرة، من أبرز نجوم الغناء والموسيقى العربيين في القرن العشرين. يمكن أن تؤخذ سيرة عبد الحليم من الصحف، ومن المقابلات التلفزيونية الكثيرة... لكنّ أفضل مَنْ تحدث عنه، بلا شك، موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب (1898 – 1991)، في مقابلة أجراها معه الإعلامي سعد وهبة.
كان عبد الوهاب بالنسبة لعبد الحليم معلماً بكلّ معاني الكلمة... استمع، عندما كان عضواً في لجنة الاستماع للمواهب الجديدة في الإذاعة (برفقة الموسيقار الكبير محمد القصبجي، وحافظ عبد الوهاب)، إلى أغنيةٍ بصوت عبد الحليم، وألحان محمد الموجي، تقول في وصف نهر النيل: يا تبر سايل بين شطين، يا حلو يا أسمر، لولا سمارك جوة العين ما كانشي نَوَّرْ. علق قائلاً: "عجبني صوته جداً، صوت جديد، نبرة جديدة، إحساس حلو... واللحن برضُه حلو".
دروس إيجابية كثيرة يمكن استخلاصها من موقف محمد عبد الوهاب. فهو مطربٌ، ومع ذلك يشجع مطرباً جديداً قد ينافسه يوماً. وهو ملحن، ويعترف بجمال لحن الموجي الذي كان مغموراً يومذاك، وحينما يأتي على ذكر القصبجي يصفه بكلمة "أستاذنا"... وبعد ذلك، يبادر لإبراز عبد الحليم، إذ يطلب من مسؤول الإذاعة حافظ عبد الوهاب أن يستدعيه، ليتعرّف عليه، فلما حضر عبد الحليم رأى أنه شابٌّ أسمر، نحيل، لطيف، وهو من الناس الذين "تشوفهم تحبهم". وصارا صديقين، يزوره حليم في مكتبه يومياً، وحيداً أو بصحبة الموجي. وفي ما بعد، لحّن له أغنية "توبة"، من كلمات حسين السيد، 1955، وقد نجحت نجاحاً باهراً. وكان المخرج هنري بركات شريكاً لعبد الوهاب في إنتاج الأسطوانات والأفلام، فاقترح عليه إنتاج فيلم تتخلّله هذه الأغنية. وكان دارجاً، في تلك الأيام، عندما تنجح أغنية أن يُنتَج فيلم لأجلها، وهذا مؤشّر على أنّ أفلاماً مصرية كثيرة، في تلك الأيام، كانت مرتجلة، ويغلب عليها الطابع التجاري. ومما يستخلص من المقابلة، أيضاً، أنّ عبد الوهاب يعرف قيمة الفنانين جيداً، إذ طلب من منتج الأسطوانات الذي صرف لعبد الحليم 50 جنيهاً على أول أسطوانة، أن يرفع المبلغ إلى 300 جنيه، وفي السينما إلى 3000 جنيه، وهذه فكرةٌ تستحق التقدير، سوّغها عبد الوهاب بأنّ المتميز يجب أن يُمَيَّز، وأنّ من حق صاحب الاسم الذي يجعل الشركة تربح أن يأخذ أكثر.
الجديد في السيرة، أيضاً، أنّ حسين السيد الذي كتب لعبد الوهاب أجمل أغانيه، ومنها "ست الحبايب"، صار يكتب لعبد الحليم أيضاً، وقد توجّهت الأنظار في وقت لاحق إلى أغنيةٍ تتضمن حكاية درامية مدهشة، هي "فاتت جنبنا" التي يلتبس فيها الأمر على العندليب الذي يمشي مع أحد أصحابه، عندما تضحك البنت الجميلة، فلا يعرف إن كانت تضحك له، أم لصاحبه، ويخوض معاناةً نفسيةً طويلةً، حتى يصل إلى بيت القصيد المفرح: "... وقالت لي أنا من الأول بضحك لك يا أسمراني".
كان عبد الحليم مهتماً بمعرفة كلّ شيء عن عادات عبد الوهاب. كيف يتكلم؟ متى ينام؟ متى يستيقظ؟ متى يغنّي ويلحن؟ وإذ عرف أنّه منظّم جداً لم يفعل مثله، فقد كان مسرفاً لا يبالي بصحته، ومن مآثره، كما يقول عبد الوهاب، أنّه كان يزيل الحواجز مع الجمهور، يمشي على المسرح، يقود فرقة الموسيقى، يعزف على إحدى الآلات، ولم يبقَ إلا أن يجلس على حافة المسرح ويدلّي قدميه...
ختاماً، تقول النجمة فاتن حمامة، إنّها، يوم وفاة عبد الحليم، ذهبت إلى بيت عبد الوهاب، فوجدته حزيناً، مضطرباً، يروح ويجيء ضمن غرفته، ويستمع إلى أغانيه.