عالم بلا عرب
قمم دولية تنتهي وأخرى تبدأ، ولا حضور للعرب وقضاياهم. ليس هناك أي موقف دولي وازن حيال ما يجري في فلسطين وسورية والعراق واليمن. ولا تفسير لذلك سوى أن العالم غير مكترثٍ بنا كليا، إما لأننا صرنا بلا وزن، أو أن المنطقة ما عادت على جدول أعمال الاهتمامات الدولية، وإلا كيف نفسّر غياب كل تمثيل عربي في قمة الدول السبع التي دامت ثلاثة أيام في جنوب بريطانيا، وحضرتها بصفة مراقب كل من الهند وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية، وأستراليا؟ ويبدو أن العالم العربي بأجمعه لا يعادل، في نظر الدول السبع، واحدة من الدول الأربع، مع أنه قوة اقتصادية مهمة ومساحة جغرافية شاسعة غنية وكتلة سكانية كبيرة، ولديه قضايا كثيرة تبحث عن حلول دولية. واللافت أن البيان الختامي للقمة لم يأت على ذكر المنطقة والنزاعات التي تشهدها. وركزت الدول صاحبة أكبر سبعة اقتصادات كونية، والتي تطلق على نفسها العالم الحر، على الصين وروسيا ووباء كورونا، ولم تتطرّق إلى الشرق الأوسط، ولو على سبيل مرور الكرام. وتلا هذه القمة انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 14 يونيو/ حزيران الحالي، والتي سبقتها تحضيراتٌ لعدة قمم ثنائية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، واحدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش القمة، والثانية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد يومين من القمة، وفي القمتين كانت القضايا العربية على جدول الأعمال، ولكن من دون حضور للعرب.
إزاء ذلك، هناك عدة أسئلة تطرح نفسها، في صدارتها سبب غياب دول عربية كبرى، مثل مصر والسعودية، عن اجتماع الدول السبع أسوة بالهند وجنوب أفريقيا، ثم ما هو المانع في عدم تنظيم قمة أميركية مع أي طرف عربي حتى الآن، وخصوصا مع الدول التي ترى نفسها حليفة للولايات المتحدة؟ وتزداد أهمية هذين السؤالين، بالنظر إلى أن هذه هي جولة الرئيس الأميركي الأولى عالميا، والتي لخصها بقوله "أميركا استعادت وجودها على الساحة الدولية".
إهمال العرب وقضاياهم في القمم الدولية فأل سيئ، وما يجري في فلسطين وسورية والعراق واليمن ولبنان يستدعي موقفا دوليا مختلفا عن الذي عاشته المنطقة مع إدارتي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب، ولا سيما أن واشنطن تتحمّل مسؤولية أخلاقية وسياسية عن الانهيار، ولولا سياساتها المنحازة ضد العرب لما وصل الموقف إلى ما هو عليه اليوم، فالرئيس ترامب هو الذي دعم، بكل قوة، سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو الاستيطانية، وسلفه أوباما هو من أطلق يدي روسيا وإيران في سورية والعراق واليمن، وعقد مع إيران صفقة الاتفاق النووي الذي تراجعت عنه إدارة ترامب. وتعمل إدارة بايدن الآن على هندسة اتفاق بديل بات وشيكا. وكانت هذه الإدارة قد اشترطت أن تكون للعرب كلمة في الاتفاق الجديد، ولكن جرى القفز على هذه النقطة، بسبب رفض طهران الجلوس مع الرياض على طاولة واحدة للتفاهم بصدد اتفاق أمني للخليج. وليس من الواضح أنه سيتم تدارك هذه المسألة لاحقا. وهناك مخاوف من ولادة اتفاقٍ يكون العرب ضحيته، كما حصل في عام 2015، عندما تم تحرير مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمّدة بسبب العقوبات، والتي ذهب جزء منها للتخريب في سورية والعراق واليمن ولبنان.
كان العالم يحسب للعرب حسابا حين كانت لهم كلمة واحدة في وقتٍ كانت تنعقد فيه القمم العربية بانتظام مهما كانت الخلافات. أما وأن الحال العربي يشهد انقساما لم يسبق له مثيل، فإنه لا مكان للعرب في عالم الأقوياء الذي تحكمه المصالح، وما نشهده من تهميشٍ للعرب يتحملون هم قسطا من مسؤوليته، وخصوصا أولئك الذين خرجوا عن الإجماع العربي بخصوص القضايا الكبرى.