عادت كاروليفيتسك فهل تجلب معها الحرب؟

19 مايو 2023
+ الخط -

لم تنته الحرب سريعًا في أوكرانيا كما توقّعها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أو على الأقل كما قدّرتها القيادة العسكرية الروسية؛ فهي حربٌ بدأها بوتين من أجل حماية أمن بلاده القومي، عبر إبعاد حلف شمال الأطلسي عن حدوده، إذ به يُفاجأ بأن الحرب بدأت تسلُك طرقًا مختلفة عن الحرب التقليدية العسكرية، ودخلت عامها الثاني ولا تزال مستمرّة.

الحرب على أرض أوكرانيا، إلا أنها بدأت تنحرف إلى تهديدٍ بفتح جبهاتٍ جديدة رغم الدعم الغربي العسكري السخيّ لأوكرانيا، فهذا ما أكّدته رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني لقناة 24 Ria News، عقب لقائها في 13 مايو/ أيار الجاري مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بقولها إن بلادها ستواصل تقديم الدعم لأوكرانيا طالما كان ذلك ضروريًا.

ليست روما الوحيدة في ميدان الدعم، لقد أعلنت الحكومة الألمانية أنها تعدّ خطة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 2.9 مليار يورو، وتشمل دبابات وعربات مدرّعة وأنظمة دفاع مضادّة للطائرات. إذ قال وزير الدفاع الألماني بوريس يستويوس، في بيان: "نريد جميعًا نهاية سريعة لهذه الحرب الوحشية التي تشنّها روسيا ضد الشعب الأوكراني، لكنها للأسف ليست في الأفق. ولهذا السبب، ستقدّم ألمانيا كل المساعدات طالما كان ذلك ضرويًا".

وشدّد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أن على الاتحاد تسريع إمداد كييف بالذخيرة في مواجهة العملية الروسية العسكرية. ودخل الاتحاد الأوروبي الحرب من البوابة الأوكرانية، فرغم أنه مستمرّ في تقديم الدعم العسكري لكييف رغم تهديدات بوتين، إلا أنه فرض العقوبات الأممية على روسيا. إذ التقى ممثلو الدول الأعضاء الـ27 نهار 12 مايو/ أيار الجاري لمناقشة الجوانب الفنية لحزمة العقوبات، في وقتٍ يضع فيه التكتل عينه على سدّ الثغرات التي تسمح بتدفّق النفط الروسي إلى دول الاتحاد، عبر ما يطلق عليه اسم "أسطول الظل".

يعيش الاتحاد الأوروبي هاجس خطر الانزلاق نحو حربٍ كبرى في أوروبا مع روسيا، لهذا يهدف من خلال دعم كييف إلى استنزاف الجيش الروسي وإنهاكه

يعيش الاتحاد الأوروبي هاجس خطر الانزلاق نحو حربٍ كبرى في أوروبا مع روسيا، لهذا يهدف من خلال دعم كييف إلى استنزاف الجيش الروسي وإنهاكه، قبل أن يفكّر في فتح جبهاتٍ جديدةٍ في دول أوروبية، تحديدًا بولندا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عندها تكون أوروبا أمام سيناريو مختلف، فبعد سقوط صاروخ روسي الصنع على قرية بولندية قرب الحدود مع أوكرانيا العام الماضي، والذي أدّى إلى مقتل شخصين، رفعت بولندا مستوى تأهّب قواتها على أثر اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي. بينما سعت الدول في حلف الناتو إلى "تبريد" الأجواء، عبر اعتبار الموضوع لا يدخل في حالة العدوان على أراضيها، بل عن طريق الخطأ.

وسط "الحذر" الشديد للاتحاد الأوروبي، يأتي "جنون" بولندا، كما وصف المتحدّث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، في خطوة قد تأخذ حلف الأطلسي إلى الحرب. إذ تعود بولندا لاستخدام اسمها التاريخي لمدينة كالينينغراد، المدينة الروسية والمنطقة الإدارية التي تقع على حدودها، فمن الآن، سيتمّ تعريف المدينة على الخرائط البولندية باسم كاروليفيتسك، بناء على توصية اللجنة الحكومية للأسماء الجغرافية في الخارج.

وكانت ألمانيا قد تنازلت عن المدينة التي كانت تعرف سابقًا باسم كونيغسبرغ للاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية. وفي 1946 جرى تغيير اسمها إلى كالينينغراد على اسم ميخائيل كالينين، أحد قادة الثورة البلشفية. وفي هذا السياق، تفيد السلطات البولندية بأن كالينين كان أحد المسؤولين السوفييت الستة، الذين أمروا بإعدام أكثر من 21 ألف أسير بولندي في كاتين وأماكن أخرى عام 1940. وقالت بولندا أن الإسم الحالي مصطنع، ويفتقر إلى أي صلةٍ بالمدينة أو المنطقة، لكن الاسم القديم جزءٌ من التراث الثقافي لبولندا.

تحتاج روسيا إلى تحقيق انتصار ميداني على كييف، كي تستطيع أخذ الاتحاد الأوروبي إلى طاولة المفاوضات، ضمن شروط تحدّدها وتلزم بها الدول الأعضاء

يقع جيب كالينينغراد في أقصى شمال غرب روسيا ويعدّ معزولًا، ويحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة لها، نظرًا إلى أنه يطلّ على ساحل بحر البلطيق، ويقع فيه مقرّ أسطول البلطيق الروسي.

يتخطّى الخلاف على كالينينغراد أو كاروليفيتسك التاريخ ليدخل ضمن التجاذبات العسكرية بين روسيا والغرب والاتحاد الأوروبي. فما قامت به وارسو يعتبر "عملية تقترب من الجنون"، وتتجاوز رهاب روسيا، بحسب بيسكوف. فالحرب دخلت مرحلة خطيرة، ولا سيما أن الروسي على عتبة انتخابات رئاسية في العام المقبل، حيث يريدها بوتين نوعًا من الاستفتاء الشعبي لتجديد الثقة.

ما قامت به بولندا هو المسّ برموز الثورة البلشفية أي تجاوز للخطوط الحمراء، ما يعني فتح الصراع على الاحتمالات كافة، فروسيا التي تعمل على عودة مجدها إلى سابق عهده لن تقبل بأي خطوة تعود بها إلى الوراء. كيف لا، وإن سحب اسم كالينينغراد عن تلك المنطقة يعني توجيه صفعةٍ معنوية إليها، توازي خسارتها الحرب.

تحتاج روسيا إلى تحقيق انتصار ميداني على كييف، كي تستطيع أخذ الاتحاد الأوروبي إلى طاولة المفاوضات، ضمن شروط تحدّدها وتلزم بها الدول الأعضاء. صحيحٌ أن الغرب يقف إلى جانب أوكرانيا في حربها ضد روسيا عبر مدّها بالأسلحة المطلوبة للدفاع عن نفسها، لكن وقوف الغرب إلى جانب بولندا يحمل نكهةً مختلفةً لاعتباراتٍ تتعلق بانضمام بولندا إلى حلف الناتو، ما يفرض على دول الحلف التدخّل تحت البند الخامس للدفاع عنها إذا ما تعرّضت لاعتداء روسي. لذا، قد تأخذ روسيا من كاروليفيتسك ذريعة لجرّ حلف الناتو إلى حربٍ يسعى، بكل قدراته، إلى تجنّبها، فهل ستتمّ تهدئة جنون بولندا من قبل حلفائها؟ أم أن الحرب مع روسيا باتت أمرًا محتومًا بانتظار الوقت المناسب لها؟