ظهور 2011 في نقابة الصحافيين المصريين

21 مارس 2023
+ الخط -

فاز خالد البلشي بمقعد نقيب الصحافيين في مصر. معارض، يساري، من جيل يناير، ورئيس تحرير موقع صحافي "محجوب" أمنيًا. وبعد أن كان الفوز ممنوعا إلا على الدولة، صار الممنوع فائزا، رغم أنف الدولة، وإعلامها، وكتائب "تصحيح المسار" داخل النقابة، ومليشيات توزيع الكباب والكفتة على أبوابها، وحتى أقلام التصويت التي تحمل ختم خالد الـ "ميري"، لكنها لا تكتب إلا خالد "المدني". تجاوزنا الخمسين بالمائة بقليل، كأننا لم نتجاوز بعد لحظة الإعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق. وبصرف النظر عن الظلال السلبية، والمزعجة، لتجربة حكم الإخوان المسلمين، فإن مرسي في هذه اللحظة تحديدا (كما يعرفها من عاشها) لم يكن سوى فرصتنا الوحيدة، رغما عنّا، في إثبات وجودنا، وقد كان، فهل تجاوزنا ما كان، أو بالأحرى هل نجح حضرة الضابط في تجاوزه كما يوهمنا؟ 
فشلت التجربة، وعادت دولة يوليو أكثر توحشّا، وتحولت ثورة يناير إلى عفريت، مؤامرة كونية، منصوص على شرعيتها دستوريا، سبب خراب البلد، وليس ستة عقود (صاروا سبعة) من الحكم العسكري، وتحوّل رموزها في الخطاب الإعلامي "الوطني" إلى خونة، يستحقّون الموت، أو السجن أو الإخفاء القسري أو التغريب، ناهيك عن التجسّس على التليفونات، وانتهاك الخصوصيات، وتأليف الاتهامات، وتوسيخ السير الذاتية والمهنية، وحتى النيات، وصلت إليها أجهزة الأمن، وفرّغت محتوياتها، وعرضتها في برامج أحمد موسى وعمرو أديب. سياسات "حرب"، وانتهاك، واستباحة، وتنكيل، وتجريس، علنية!.. فهل اختفت "يناير" نهائيا؟ هل اختفى جيلها؟ هل انتهى خطر بحث أكثر من نصف المصريين عن حصّة "المواطن" في وطنه، هل عاد مجرّد الاستقرار، هو الهدف الوحيد للدولة ومواطنيها "الشرفاء" من دون غيرهم من العملاء والمتآمرين الذين يستهدفون دولةً لا شبه دولة، جمهورية لا شبه جمهورية، مجتمع مدني ومؤسّسات لا فرد محل الإله في الأرض، والقانون والدستور في الدولة، والديك في العشّة وحلاق الصحة في طهور العيال؟
ظهرت "يناير" من جديد، مع أول فرصة حقيقية لانتخابات غير مسلّحة، وأصوات من الصندوق، لا صندوق موتى لكل من له صوت، ظهرت حين توفّر الحد الأدنى من "الاختيار"، من "التنظيم"، من الاتفاق حول مطالب عادلة (للجميع)، ظهرت مع غياب فزّاعات أنا أو الفوضى.. أو الإخوان.. أو داعش.. أو الإرهاب… ظهرت كأنها لم تغب يوما، ولا نعرف إن كان ينتظرها النجاح أو غيره. لكن المؤكّد أن القادم ليس سهلا، بل حرب بهدف التأديب، وعدم تكرار ما حدث، والتخلّص من التهديد "المدني" المحتمل، ذلك لأن الدولة، وفق عقيدتها المستقرّة، هشّة، لا تحتمل منافسة، أو شراكة، ومجرّد وجود أي مسؤول "مدني" غير قابل للتجنيد، يعني إزاحتها.
دلالات كثيرة يطرحها فوز خالد البلشي (ومجموعته)، أهمها أن الهزيمة ليست قدرا، إنما خللٌ لدى المهزوم، سواء كان الدولة أو معارضيها، والانتصار ليس مؤامرة، كما تروّج بعض صفحات "بيض التنانين المقدسة"، وأن ما يقرب من نصف الصحافيين ما زالوا على ولاءاتهم "الميري"، وأنه لا إمكانية للاستفراد، إلى ما لا نهاية، بالبلد ومؤسّساتها، ونقاباتها، يبدو خالد البلشي واعيا بذلك، كما يظهر في تصريحاته، المسيّسة، بعد إعلان فوزه، وكلامه عن "التفاوض" من أجل حقوق الصحافيين، لكنه لا يبدو واضحا أو مفهوما، بأي درجة، لدى الطرف الآخر، تظلّ قناعة الدولة بأنه لا استمرار لها، من دون "تخليص" طرفٍ على آخر، وهو ما "ثبت" فشله، وسوف يثبت مع "أي" فرصة عادلة للتنافس. 
"يناير" ليست 18 يوما، ليست تعديلات دستورية أو انتخابات، ليست وصول "الإخوان" وفشلهم، ليست سقوط النخبة السياسية المدنية وعجزها، "يناير" تحربة جيلين من زمن آخر غير يوليو، لا سبيل إلى إعادته  إلى الوراء، يحتاج القضاء على يناير إلى إلغاء التعليم الخاص، وغلق المكتبات العامة والخاصة، ومنع المؤلفين من الكتابة، وحظر تطبيقات القراءة، والكتب الإلكترونية، وحظر الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وهذا مستحيل، إما التفاهم أو بلد منقسم إلى أن يظهر "رجل دولة".