"طوفان الأقصى" في مصر
"المصريون فرحون أكثر منا". ... هكذا علّق أحد الأصدقاء "الغزّاوية" على كتابات المصريين على "السوشال ميديا" ابتهاجا بعملية طوفان الأقصى. فيما كتب المدوّن المصري حذيفة حمزة تعليقا على أن العملية هي الأولى من نوعها التي تبادر فيها المقاومة بالطلقة الأولى وتهاجم وتنتصر، وتُلحق بالعدو هزيمة مذلّة... يقول: "شعور إن احنا اللي ضاربين مربك صراحة. الواحد متعوّد ياكل العلقة صايمة ويفتح فيسبوك ويصيح ويدعي عليهم. موضوع إن اللّي منك هو اللّي يضرب ده غريب والله ومخلّي الواحد مش على بعضه". وهو تعليق يعبر عن مشاعر ملايين المصريين، حيث المشاعر المختلطة والمرتبكة.. الفرحة بما حدث.. الخوف من ردّ الفعل.. النشوة.. عدم القدرة على النوم خوفا من تفويت حدث.. رقم جديد في خسائر العدو.. تصريح.. خطاب.. فهل سبب ذلك كله الانحياز، الطبيعي، للقضية الفلسطينية؟
الانحياز للقضية حاضر في خطابات المعلقين ومشاعرهم، لكن كثافة "التعبير" عن الفرحة وزخمه حدّ "الانفجار" يحملان، إلى جوار الاهتمام التاريخي بالقضية الفلسطينية بوصفها قضيتنا، رسائل أخرى أكثر محلية: المصريون يبحثون عن مساحةٍ للتعبير الآمن.. موقف قيمي وسياسي من دون اعتقال سنوات، بسبب بوست أو تويتة، مساحة للصراخ: "نحن هنا". يتعرّض المصريون يوميا إلى القصف، لا أتحدّث عن المعارضين، أو أصحاب الموقف من المعتقلين وسجناء الرأي والمخفيين قسريا ونظرائهم في المنافي، بل عن المصري العادي، حزب الكنبة كما نسمّيه تندّرا، هزائم يومية، مذلّة، مهينة، موجعة، الأب أمام أولاده، أمام زوجته، أمام نفسه، انكسارات تجاوزت الاحتياجات القابلة للتأجيل إلى الحيوية والملحة، الطعام والشراب والكساء والعلاج، وإذا كانت عملية طوفان الأقصى تشير، وفق مقال معين الطاهر في "العربي الجديد" (8/10/2023)، إلى بلوغ السيل الزبى، ووصول التلاعب بالقضية الفلسطينية إلى ذروته، وكذلك مخطّطات تصفية القضية الفلسطينية التي اتّخذت منحىً جديدا في ظل الحديث عن موجة تطبيع عربيةٍ جديدة، وتواطؤ السلطة الفلسطينية معها، فإن ردود فعل المصريين تشير بدورها إلى وصول السيل الزبى، في التلاعب بحيواتهم وكرامتهم، إلى حدّ مطالبتهم بالجوع بوصفه قيمة وطنية.
شهدت الإسكندرية، في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، واقعة إطلاق أحد أفراد الشرطة المصرية النار على سائحين إسرائيليين، ومعهما المرشد السياحي المصري مع الأسف، ما أسفر عن موت ثلاثتهم، وجاءت رواية النظام، وفق كتائبه الإلكترونية، هزلية كالعادة، باعتبار ما حدث قتلا خطأ في أثناء تنظيف المجنّد سلاحه، أي أن سلاح المجنّد أصاب برصاصة واحدة ثلاث ضحايا. ثمّة رواية أخرى تفيد بأن السائحيْن اللذين اختارا التنزه في الإسكندرية في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى ووسط مشاعر المصريين المتأججة، والمنحازة، بداهة، إلى الفلسطينيين، لم يكتفيا بذلك، إنما حاولا التقاط صورة تدل خلفيتها إلى وجودهما في مصر، وهما يحملان علم الكيان الصهيوني، ما أغضب الجندي المصري، فطالبهما بإنزال العلم، وطبعا رفضا، وتطوّرت مشادّة كلامية إلى إطلاق النار.
ولو صحّت الرواية، وهي أقرب إلى المنطق من رواية تنظيف السلاح، فإنها لا تجيب، وحدها، عن سؤال: لماذا أطلق الجندي النار؟ فالسياحة الإسرائيلية موجودة في مصر منذ سنواتٍ طويلة، مع الأسف، وقد تعوّدت الشرطة المصرية وغيرها من أجهزة الدولة على وجود إسرائيليين في بلادنا رغما عنا، والمجنّد الذي أطلق النار كان موجودا، أصلا، لتأمين السائحين الإسرائيليين، كما أن التعاطف مع ما يحدُث في الأرض المحتلة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وعدوى انتصار المقاومة، ذلك كله لا يجيب عن سؤال إطلاق النار على السائح "المستأمن". نحن أمام مواطن مصري، مثل ملايين غيره، وإنْ كان شرطيا، تحوّل، بفعل الكبت والعجز والهزائم اليومية، إلى كائنٍ قابلٍ للانفجار، قنبلة، تنتظر من ينتزع فتيلها. قد يجيب ذلك، من أحد الوجوه، عن سؤال العنف المتزايد وغير المتوقّع، أو المنطقي، ليس في الإسكندرية وحدها، إنما في كل مكان، وتفصيلة من حياة أغلب المصريين، هنا والآن. انفجارات فردية، بمثابة إنذارات، تسبق الانفجار الجماعي، والحتمي.