صعوبة فهم الاتفاق السعودي ــ الإيراني
إن وُجد متابع توقّع حصول الاتفاق السعودي ــ الإيراني، فهو إما خارق القدرات وصاحب حاسّة سادسة، أو لديه وصول إلى معلومات استخبارية يتمنّى أي صحافي أو سياسي الحصول عليها. حتى حسن نصر الله، الذي يُوهم الجماهير بأنه يعلم ما لا يعلمه غيره، تبيّن أنه جاهل بمسار الاتصالات بين البلد الذي يعتبر نفسه جندياً في جيشه، إيران، والسعودية التي تنافس إسرائيل في منسوب العداء الذي يكنّه لها. ففي 6 مارس/ آذار الحالي، أي قبل أربعة أيام فقط من إعلان الاتفاق من بكين بوساطة صينية، أفتى نصر الله في خطاب بأنّ "من ينتظر تسوية إيرانية ــ سعودية سينتظر طويلاً". إسرائيل كذلك بدت مصدومة بالحدث. كانت تسنّ أسنانها على اتفاق تطبيع علاقاتها مع السعودية، ليكون أكبر إنجاز دبلوماسي لها منذ اتفاق كامب ديفيد مع مصر، فأتاها النبأ الذي "يهدّد إسرائيل" على حد تعبير رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت في وصفه التفاهم السعودي ــ الإيراني. أما الإعلام الأميركي، ملك التسريبات في العادة، فلم يُصب شيئاً هذه المرّة. نشرت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، قبل يوم من وصول الخبر من الصين، تقريرين يسردان تفاصيل المفاوضات الأميركية ــ السعودية بشأن شروط الرياض لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب، وفات الصحيفتين أنّ الخبر الطازج سيُعلَن من الجهة الأخرى للعالم، وبمسلك مناقض للعلاقات السعودية ــ الإسرائيلية.
فهم أسباب التفاهم وموجباته لا يقلّ صعوبة عن توقع حصوله. ما الذي تغيّر بالنسبة للعاصمتين لكي تقرّرا السير في خطوة بهذا الحجم، من شأنها أن "تغير وجه الشرق الأوسط"، بحسب تعبير مديرة مكتب الخليج في "نيويورك تايمز" فيفيان نيريم؟ ما الذي طرأ منذ خمس سنوات، حين قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إنّ المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي "يجعل هتلر يبدو شخصاً جيداً" في حال المقارنة بينهما، حتى تصبح بلدان المنطقة اليوم "تتشارك مصيراً واحداً" مثلما تردّد في مؤتمر إعلان الاتفاق على لسان ممثلَي البلدين، مستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان، وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني؟
لم يحصل شيء علني من النوع الذي يدفع الدولتين إلى اتخاذ قرار استراتيجي معاكس للمسار الذي تسلكانه الواحدة تجاه الأخرى. لم يحصل هذا الشيء الكبير لا في الرياض ولا في طهران ولا في العالم. لا هي خطوة تلي انتخابات أميركية وتسلُّم إدارة جديدة السلطة مثلاً، ولا تغيير حصل في الطاقم الحاكم للبلدين. أي من الدولتين لم تغيّر نظرتها إلى الأخرى ونظامها. خرجت السعودية منذ زمن من عزلة ما بعد جريمة قتل جمال خاشقجي. اقتصادياً، هي في أحسن أحوالها مع فورة أسعار النفط والغاز، وصارت في موقع يسمح لها برفض طلبات أميركية بزيادة الإنتاج لينخفض السعر وتجاهر بعلاقاتها الممتازة مع بكين وموسكو. إيران بدورها ارتاحت نسبياً من ضغط الداخل وانخفاض حدّة احتجاجات الحرية. لا تكفّ قيادتها عن الاحتفاء بتحسّن مبيعاتها من النفط والغاز مع تخفيف أميركا الرقابة على عقوباتها ضد طهران، لأنّ كلّ برميل إضافي من الذهب الأسود يجري بيعه في السوق قد يساهم في تخفيض الأسعار عالمياً، وهو ما تريده أميركا بشدة. ما يتردّد أن الرياض تريد الاتفاق لتضمن عدم تعرّضها لقصف انتقامي من إيران في حال تعرّضت الأخيرة لهجوم إسرائيلي كلام ضعيف في التحليل. أساساً، لا أجواء لضربة إسرائيلية أو أميركية، وإيران لا تحترم أي اتفاقٍ في حال حصول هجوم عليها من هذا النوع. الرغبة السعودية بإنهاء حرب اليمن غير كافية لتفسير التحوّل، فآخر مرة تعرّضت فيها السعودية لهجوم حوثي (إيراني بالواسطة)، كانت قبل عام. العدوانية الإيرانية والرغبة بالتمدّد في المنطقة العربية تسلكان منحى تصاعدياً. ما سبب الاتفاق وموجباته إذاً؟ هل هو من جهة السعودية مجرّد نكاية بأميركا نتيجة رفضها تلبية شروط المملكة لتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية مثلاً؟ أم بالعكس تماماً، بمعنى أنّ تطبيعاً سعودياً مع إسرائيل لا بد من أن يسبقه تطبيع سعودي ــ إيراني؟
خبر اليوم بفلوس، بكره ببلاش.