10 نوفمبر 2024
شرعنة الثورة المضادة
تبرئة حسني مبارك من تهم التحريض على قتل المتظاهرين ليست، فقط، طعنة أليمة في قلوب أهالي ضحايا القتل والتعذيب في مصر، بل في أفئدة كل من عانى في زنازين الاستبداد وملايين المهمشين في العالم العربي، من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.
هذه هي الثورة المضادة، وقد تم تشريعها وتتويجها منتصرة، وإن كان آنياً، على أصوات الحرية والعدالة، فلا يمكن قمع الشعوب إلا بتبرئة الظالم من جرائمه: وكان لا بد من ظالم آخر، لتبرئة الظالم السابق، فالانقلاب، وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي، جاء لتجريم الثوار، والحفاظ على مصالح النظام القديم، وإنْ لم يكن ذلك واضحاً لكثيرين من قبل، أصبح جلياً اليوم.
ما جرى ليس تبرئة مبارك فقط، بل محاولة تبرئة السيسي ومن حوله، ولا عجب في ذلك، فمن ارتكب مجزرة ميدان رابعة، بحجة القضاء على التطرف الديني، لا يرى في تاريخ نظام مبارك ما يعيب، ففي النهاية، تفوق النظام الجديد، القديم في جوهره، في سباق القتل على عهد مبارك بآلاف الأميال أو أضعاف ذلك، سواء في عدد الجرائم، وفي وقاحة ارتكابها وضح النهار، وأمام عدسات التصوير وعيون الشهود.
لكن، لا مجال للترحم على نظام مبارك، كما يفعل كثيرون، فما نشهده هو انتقام النظام القديم المستبد ضد الثورة التي هددت مصالحه، وزعزعت سطوته: فالأنظمة المستبدة تستعمل القفازات المخملية أحياناً، وتلبس قناع الديكتاتور المحب، أما الثورة المضادة فلا بد أن تبقي الأنياب واضحة ومسننة، لأنها تريد إعادة فرض حاجز الخوف الذي دمرته الثورات.
لكن، سيحاول السيسي، الآن، أن يلبس قناع الثورة، مرة أخرى، لامتصاص النقمة الشعبية ليس إلا: فجاء البيان الرئاسي، ليلة الأحد، للتنصل من أي مسؤولية عن قرار تبرئة مبارك، بحجة عدم التدخل في استقلال القضاء، وبإصدار تعليمات بتعويض الضحايا، والإعلان، من دون خجل، عن "الالتزام بالثورة والمضي نحو بناء دولة حديثة، قائمة على العدل والمساواة ومحاربة الفساد". أي أن نظام السيسي، يمضي في إجهاض الثورة، تحت شعار الحفاظ عليها، مستمداً شرعيته من الانتخابات، وكأن ذلك يعطيه حقاً، وكل الحق ومن دون مساءلة أو حساب، فهو يعتقد أنه فوق المساءلة أو الحساب، فالانتخابات، في هذه الحالة، تعطيه شرعية الطغيان والظلم.
السيسي، كما غيره من الأنظمة، الذعر الشعبي العربي من التنظيمات المتطرفة، والتحالف الدولي ضد "داعش" لتمرير كل السياسات، فالخوف يسكت الملايين، ولأميركا أولوياتها، ونظامه يخدم هذه الأولويات بجدارة، فما عليه إلا أن يتعامل بخبث مع النقمة الشعبية، والتي لا شك في أنه يعتبرها قصيرة الأمد، ولن يعترض عليه أحد.
ثقة السيسي، ومن يمثل مصالحهم، بالمضي من دون معارضة فاعلة تذكر، لا تتأتى من فراغ، فقد استطاع أن يكسب قراراً شعبياً، إن كان من خلال التفويض باستعمال القوة ضد "الإخوان المسلمين"، ومن خلال صندوق الاقتراع، وقد شهدنا قبولاً، بل وترحيباً من كثير من المثقفين المصريين، بل العرب، بل إنه أضحى "بطلا " لدى كثيرين منهم، فما الذي سيردعه؟
الثورة المضادة تلقحت برداء العلمانية المستنيرة، والدفاع عن استمرار الدولة والحرب على الظلامية، وحصلت على شرعية أخلاقية وفكرية لدى مثقفين عرب كثيرين. لكن، آن لهؤلاء سحب الغطاء الأخلاق الفكري الأخلاقي عن السيسي، إلا إذا كانت القلوب أقسى من تحمل دموع والدة خالد سعيد وآلاف الضحايا، من دون الإحساس بالتواطؤ الكامل مع الجريمة. لهؤلاء أقول: الخيار لكم.
هذه هي الثورة المضادة، وقد تم تشريعها وتتويجها منتصرة، وإن كان آنياً، على أصوات الحرية والعدالة، فلا يمكن قمع الشعوب إلا بتبرئة الظالم من جرائمه: وكان لا بد من ظالم آخر، لتبرئة الظالم السابق، فالانقلاب، وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي، جاء لتجريم الثوار، والحفاظ على مصالح النظام القديم، وإنْ لم يكن ذلك واضحاً لكثيرين من قبل، أصبح جلياً اليوم.
ما جرى ليس تبرئة مبارك فقط، بل محاولة تبرئة السيسي ومن حوله، ولا عجب في ذلك، فمن ارتكب مجزرة ميدان رابعة، بحجة القضاء على التطرف الديني، لا يرى في تاريخ نظام مبارك ما يعيب، ففي النهاية، تفوق النظام الجديد، القديم في جوهره، في سباق القتل على عهد مبارك بآلاف الأميال أو أضعاف ذلك، سواء في عدد الجرائم، وفي وقاحة ارتكابها وضح النهار، وأمام عدسات التصوير وعيون الشهود.
لكن، لا مجال للترحم على نظام مبارك، كما يفعل كثيرون، فما نشهده هو انتقام النظام القديم المستبد ضد الثورة التي هددت مصالحه، وزعزعت سطوته: فالأنظمة المستبدة تستعمل القفازات المخملية أحياناً، وتلبس قناع الديكتاتور المحب، أما الثورة المضادة فلا بد أن تبقي الأنياب واضحة ومسننة، لأنها تريد إعادة فرض حاجز الخوف الذي دمرته الثورات.
لكن، سيحاول السيسي، الآن، أن يلبس قناع الثورة، مرة أخرى، لامتصاص النقمة الشعبية ليس إلا: فجاء البيان الرئاسي، ليلة الأحد، للتنصل من أي مسؤولية عن قرار تبرئة مبارك، بحجة عدم التدخل في استقلال القضاء، وبإصدار تعليمات بتعويض الضحايا، والإعلان، من دون خجل، عن "الالتزام بالثورة والمضي نحو بناء دولة حديثة، قائمة على العدل والمساواة ومحاربة الفساد". أي أن نظام السيسي، يمضي في إجهاض الثورة، تحت شعار الحفاظ عليها، مستمداً شرعيته من الانتخابات، وكأن ذلك يعطيه حقاً، وكل الحق ومن دون مساءلة أو حساب، فهو يعتقد أنه فوق المساءلة أو الحساب، فالانتخابات، في هذه الحالة، تعطيه شرعية الطغيان والظلم.
السيسي، كما غيره من الأنظمة، الذعر الشعبي العربي من التنظيمات المتطرفة، والتحالف الدولي ضد "داعش" لتمرير كل السياسات، فالخوف يسكت الملايين، ولأميركا أولوياتها، ونظامه يخدم هذه الأولويات بجدارة، فما عليه إلا أن يتعامل بخبث مع النقمة الشعبية، والتي لا شك في أنه يعتبرها قصيرة الأمد، ولن يعترض عليه أحد.
ثقة السيسي، ومن يمثل مصالحهم، بالمضي من دون معارضة فاعلة تذكر، لا تتأتى من فراغ، فقد استطاع أن يكسب قراراً شعبياً، إن كان من خلال التفويض باستعمال القوة ضد "الإخوان المسلمين"، ومن خلال صندوق الاقتراع، وقد شهدنا قبولاً، بل وترحيباً من كثير من المثقفين المصريين، بل العرب، بل إنه أضحى "بطلا " لدى كثيرين منهم، فما الذي سيردعه؟
الثورة المضادة تلقحت برداء العلمانية المستنيرة، والدفاع عن استمرار الدولة والحرب على الظلامية، وحصلت على شرعية أخلاقية وفكرية لدى مثقفين عرب كثيرين. لكن، آن لهؤلاء سحب الغطاء الأخلاق الفكري الأخلاقي عن السيسي، إلا إذا كانت القلوب أقسى من تحمل دموع والدة خالد سعيد وآلاف الضحايا، من دون الإحساس بالتواطؤ الكامل مع الجريمة. لهؤلاء أقول: الخيار لكم.
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
29 سبتمبر 2024
22 سبتمبر 2024