سيناريوهات رحيل الأسد

03 سبتمبر 2023
+ الخط -

عندما يتحدّث أمامك شخصٌ ما عن السيناريوهات المتوقعة لحلّ قضيةٍ ما، سيتبادر إلى ذهنك أنه سياسيٌّ مخضرم "مقلّع أضراسَه في السياسة". ولكنني، محسوبكم، لست سياسياً ولا مخضرماً، وما أقوله لا يعدو كونه تأملات إنسانٍ نَزَلَ عليه وعلى بلاده وابلٌ من الكوارث والخطوب، فاكتسب شيئاً من الخبرة، وأصبحت لديه نظرة تصيب، وأحياناً تخطئ.

أول ما توصلتُ إليه، خلال الثلاث عشرة سنة الماضية، أننا، نحن السوريين، نغرق في شبر ماء، ونخطف الكبّاية من رأس الماعون، فإذا وصل سعرُ صرف الدولار في سورية إلى ستة آلاف، أو سبعة آلاف ليرة، مثلاً، يهرع محلّلونا السياسيون إلى أقرب استوديو إخباري، ويصيحون: ها، هَه... زلزلت، أو كما كان يقول ابنُ بلدتنا عبوش "زَنْزَنِتْ"، ولن ننتظر سوى أيام قليلة، حتى ينهار نظام الأسد، ويسقط، فاستعد أيها الشعب المكلوم للأفراح، والليالي الملاح. ويا رؤساء سورية القادمين، ادخلوا إلى القصر الجمهوري السوري، عبر تطبيق "غوغل ماب"، وليخترْ كل واحدٍ منكم الكرسي الذي يناسب حجم مؤخّرته، ويشترِ لعقيلته ملابس تليق بسيدة أولى... وفي الجانب الآخر، يطلع محلّل استراتيجي، اسمه وسيم الأسد، ويباشر بأبناء شعبنا الغلبان توبيخاً، وتخويناً، مستخدماً عباراتٍ تدلّ على شدّة تمرسه، وضلوعه في عالم الاقتصاد والمال، كقوله: لو كان عندكم ذرّة شرف، ووطنية، لتصدّيتم لـ"صعود الدولار"، وعملتم على تنزيل الدولار!

لن أقف عند غباء وسيم الأسد، الذي جعله يرى هبوطَ الليرة السورية صعوداً للدولار. وسأعود إلى المحلّل الاستراتيجي المحسوب على ثورتنا، لأريكم المرونة غير المسبوقة التي يتمتع بها، فحينما يُسأل عن سبب صمود نظام الأسد، بعدما تجاوز الدولار الواحد ثلاثة عشر ألف ليرة سورية، يذهب ليحكي عن المؤامرة، قائلاً إن جماعة الأسد يكذبون في هذا المجال، فنعم، المؤامرة موجودة، ولكنها على الشعب... ويبدأ في الحديث عن دعم روسيا وإيران وحزب الله بشّار الأسد، علانية، ثم يغمز بعينه، ويخفض صوته، ويخبرنا أن أميركا تدعم الأسد، وإسرائيل تضمن بقاءه، وبعض دول أوروبا تسانده، ولكن من تحت الطربيزة.

أوصلتني خبرة السنوات الماضية، كذلك، إلى أن الغالب الأعمّ من محللينا السياسيين، يذكُرون في أحاديثهم مصطلحاتٍ غير صحيحة على الإطلاق، ولو أتيح لي أن أواجه أحدهم وهو جالس في الاستوديو، لوقفتُ له بالمرصاد، وبمجرّد ما يقول "شعبنا العظيم"، أقول له: قف. لا تُكمل. أولاً، هذا المصطلح اخترعه نظام الأسد، ولا يليق بك، أيها المعارض، استخدامه. وثانياً، الشعب السوري ليس عظيماً، بل مقهور، ومتشرّد، وجائع، ومنقسم إلى شعوب، أحدُها يؤيد النظام المجرم، وآخر يؤيد المتطرّفين، وثالث يوالي إيران، ورابع يعمل تحت إمرة تركيا، وخامس يطالب بالانفصال والالتحاق بدولة مجاورة، ولا يوجد فيه أتباع مذهب ديني يطيق أتباع المذهب الآخر، وليت الأمر يقتصر على البغضاء، بل إنهم يقتتلون بالسلاح، وفي كل الأحوال أنت لا تستطيع أن تتحدّث باسم أفراد أسرتك، فكيف تتحدّث باسم ذلك الشعب؟

سأعطيك الآن، كما يقول سماسرة السيارات، من الآخر، وأقول لك إن حراك محافظة السويداء رائع، ولا بد أن يوصل أهالي تلك المحافظة إلى نتيجة، أو ثمرة، ولكنه ليس امتداداً لثورة 2011، ومهما كثرت المظاهرات في أماكن أخرى من سورية، وصاح الهتّافون "يا الله إرحل يا بشّار"، لن يرحل، والمجتمع الدولي لن يتدخّل لترحيله، أو إسقاطه، في المدى المنظور على الأقل، ويُخبرني حدْسي أنّ بشّار الأسد والمجموعة القريبة منه قد أصبحوا عبئاً حتى على حاضنتهم الشعبية، ولن يستطيع أحدٌ إجبارهم على التنحّي غيرهم، أي أن التغيير قد يحصل من الداخل. أما الإخوة الجالسون في أوروبا، فسوف يبقون جالسين في أماكنهم، يمنّون النفس بسقوط نظام الأسد، وأن يقول لهم أحد ما: تفضّل، يا معلم، جاء دورك لكي تستلم منصبك.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...