سورية .. مخيمات المأساة
الوصف الذي يصحّ في وضع المخيمات في شمال غربي سورية هو المأساة. هناك أكثر من مائة مخيم، يعيش فيها قرابة مليون ونصف مليون مهجّر من أرياف محافظات حماة، إدلب، وحلب، تركوا بيوتهم وأراضيهم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بسبب حروب النظام والروس والإيرانيين. وكلما أقبل الشتاء يتبيّن أن شروط الحياة في أغلب هذه المخيمات غير إنسانية، بسبب افتقارها إلى المرافق الصحية والماء الصالح للشراب والتموين والتدفئة. وقبل ذلك كله، هي تعاني من طبيعة إنشائها، فبعضها مكوّن من خيام، وبعضها الآخر مختلطٌ ما بين الخيام والدعامات الإسمنتية، وهناك نمط ثالث وهو الكهوف. ولذلك يواجه المهجّرون الأزمات على مدار العام، ولكن الأوضاع تتفاقم حين تشتد الحرارة والبرودة، وخصوصا تلك التي تكون مصحوبة بهطولات مطرية قوية وثلوج.
هذه المأساة قائمة منذ عدة أعوام، وتتكرر بصورة دورية ومنتظمة، إلا أنها لا تأخذ حيزا في الإعلام، واهتمامات الأوساط المعنية، إلا في حال حصول كوارث كما حدث في الأيام الأخيرة، حينما أدّت الهطولات المطرية القوية إلى اقتلاع مئات الخيام، وبقاء ساكنيها في العراء، وكذلك تهدّم عدة مخيمات، وتشريد ساكنيها. ولا تتوقف المآسي عند هجوم المطر والريح، بل إن شحّ التموين وعدم توفر مستلزمات التدفئة والأدوية يؤدّيان، في هذه الفترة، إلى وفيات بين صفوف الفئات الهشّة من الأطفال والشيوخ الذين يقتلهم البرد القارس. ولا يزال سكّان هذه المخيمات ينتظرون العودة إلى بيوتهم التي تركوها بسبب القتال، وبعض منهم غامر ورجع، على الرغم من سيطرة مليشيات تابعة للنظام وإيران، ولكن هؤلاء وقعوا ضحية الابتزاز والألغام التي خلفتها الحرب. وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة لم تتمكّن الأغلبية من إصلاح الدمار الذي لحق بالبيوت، ولذا تعيش مئات العائلات وسط جدران مهدّمة بلا مياه شرب أو كهرباء أو طبابة ومدارس، وحتى العودة إلى الزراعة تبدو مستحيلةً في ظل مخلفات الحرب. وأما بالنسبة للذين يفضّلون البقاء في المخيمات حتى الآن، فإنهم ينتظرون أن يتم تطبيق مخرجات اتفاقات سوتشي وأستانا بين روسيا وتركيا، والتي نصّت على عودة اللاجئين، ولكن لم يتم تأمين الظروف المناسبة على الأقل لجهة الضمانات الأمنية، وخصوصا للشباب الذين قاتلوا في فصائل مسلّحة ضد النظام، فجزاء هؤلاء في أفضل الأحوال هو التجنيد في صفوف جيش النظام لمقاتلة الفصائل في الصف الآخر.
صار واضحا أن النظام ليس في وارد تطبيق مخرجات سوتشي وأستانا الخاصة بعودة المهجّرين، بل يعمل على مد سيطرته إلى المناطق التي تقع تحت نفوذ فصائل "الجيش الوطني" و"هيئة تحرير الشام"، وتدعمه في ذلك روسيا وإيران سياسيا وعسكريا. وبالتالي، سوف تبقى مشكلة المخيمات بلا حل، وربما تفاقمت أكثر، وهذا يتطلّب التعامل مع وضعها من منظور إنساني، وليس المطلوب تحويلها إلى مساكن دائمة لتوطين المهجّرين، بل تزويدها بمرافق تساعدها على مواجهة الأحوال الجوية الصعبة على الأقل، وتوفير المستلزمات الأساسية للحياة من تموين ومياه صالحة للشراب وطبابة ومدارس، ريثما يصبح الحل السياسي ممكنا بأي شكل، وبما ينهي مأساة التهجير. ومن المؤسف أن المنظمات الإنسانية التي تشرف على هذه المخيمات تُدرك هذه الحقيقة، ولا تتعامل معها بطريقة عملية. وقد يعود السبب إلى الضغوط السياسية والعسكرية التي تتعرّض لها، إلا أن ذلك لا يحول دون القيام بأبسط ما يمكن، من خلال تقديم مساعداتٍ عاجلةٍ واستثنائية في فصل الشتاء للمخيمات الأكثر تضرّرا. وسواء كانت المنظمات الإنسانية الدولية عاجزة أو مقصّرة، فإن هناك مسؤولية على الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني، للنهوض بمهمة وضع حد للمأساة التي تصفع السوريين كافة كلما حل الشتاء، والأمر ذاته ينطبق على الأطراف الدولية ذات الصلة بقضية المهجّرين السوريين.