سمير صبري في "حكايات العمر كله"
كان الفنان المصري الراحل قبل أيام عن 85 عاما، سمير صبري، يقول إن حياته الشخصية خطّ أحمر. وهذا غريبٌ بعض الشيء، فسيرة الرجل معروفة، بل جاء جميلا منه، ومهمّا أيضا، أنه أصدر كتابا محبّبا وممتعا، سمّاه "حكايات العمر كله" (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2020)، ضمّنه، في صفحاته الأولى خصوصا، مقادير من سيرته الخاصة، سيّما في طفولته وشبابه، وبدايات عمله في التمثيل، وفي تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وجاء أيضا على طلاق والديه، في صغره، ثم زواج كلٍّ منهما، وما كانت عليه أحلامُه، ومن ذلك قوله إن التمثيل قدرُه، وإنه يعتقد أن القدر والحظّ كانا في صالحه منذ البداية، بل رسم القدرُ له طريق حلم حياته، أن يكون ممثّلا. وهو الذي كان يتمنّى، على ما كتب، أن يصبح فنانا يعيش مع النجوم، وتحت الأضواء، كما زميلُه في كلية فيكتوريا التي درس فيها (في القاهرة، وليس في مدينته الإسكندرية) عمر الشريف. وإذا كان سمير صبري يقصد بحياته الشخصية العلاقات الخاصة والتفاصيل الأسرية والحب والزواج، فإنه يُفصِح عن زواجه، في بواكير عشرينياته، سرّا، من شابّةٍ بريطانيةٍ تحت إلحاحها الشديد، من دون دراية والده الذي كان ميسورا وضابطا في الجيش، وإن زوجته غادرت إلى بلادها وهي حاملٌ بابنهما، ثم طلّقها. ويكتب "الحب الضائع في حياتي الذي أندم عليه الآن ندما شديدا لم أستطع الحفاظ عليه". وغريبٌ أن بعض الصحافة يزيد ويعيد في هذه الأيام في قصة ابنٍ سرّي للراحل، فالشهير أن هذا الابن طبيبٌ في لندن، ويقول عنه "لا أنسى أول مرّة حملتُ فيها ابني بين يدي". أما أن علاقتهما لم تكن ودودة، فهذا غير صحيح، فطالما تحدّث عنه (وعن أحفاده) بحبّ كبير، وإنْ ليس معلوما لماذا لم يحضُر جنازة والده، ولا تلقّى التعازي فيه.
ظلّ سمير صبري يلحّ على قصة "الخط الأحمر" هذه، بشأنه وبشأن غيره، في محاوراتٍ تلفزيونيةٍ وصحافية معه، وهو الذي أورد، في "حكايات العمر كله"، لمّا جاء على معرفته بأم كلثوم، وصِلته بها، وتسجيلِه آخر حوار تلفزيوني معها قبل شهرين من وفاتها، وزواجها القصير من الملحّن محمود الشريف (التفاصيل بشأنه كثيرة) أنه تعلّم منها أن "أي علاقةٍ بيني وبين أي امرأة هي خطٌّ أحمر". وها هم في مواقع وصحف يخوضون عن علاقات حبٍّ غير معلنة له مع فلانة أو علانة، ومنهم من تحدّث عن ابن سرّي آخر له، وينشط اللتّ والعجن بشأن ثروةٍ تركها، ومن سيرثها.
ولعلها مفارقةً أن سمير صبري، الذي لم يحظ ببطولاتٍ أولى ومطلقة في السينما (ربما باستثناء فيلمين أو ثلاثة)، على الرغم من عديد مشاركاته في أدوار ثانيةٍ أو ثالثة (وليست ثانوية إلا في بواكيره مطالع الستينيات، مع فؤاد المهندس مثلا)، حاور نجوما ومشاهير من أهل التمثيل والغناء والموسيقى، وأدباء كبارا (توفيق الحكيم مثلا)، في برنامجه في التلفزيون المصري "النادي الدولي"، ثم في "هذا المساء"، وذلك بعد برنامجٍ في الإذاعة كان يعدّه ويقدّمه، وسألهم عن محطّات في سيرهم الفنية، وخاض، إلى حدٍّ ما، في شؤونٍ شخصيةٍ لهم، إلا أنه، للحقّ، كان حذرا في الخوض في تفاصيل لم يكن يرى أن من حقّه أن يقترب منها. وفي كتابه، الشائق المسلّي، أفضى بكثيرٍ من حكايات العمر تتعلق بزملائه وأصدقائه ومعارفه، وببعض من قابلهم، من غير أهل الفن (السلطان قابوس مثلا) في برامجه، في أكثر من خمسين عاما، ما يجعل هذا الكتاب، في صفحاته الثلاثمائة (مع صور متنوّعة)، يخصّهم أكثر مما يخصّ سيرته نفسه، وفي الوُسع حسبانه كتابا مفيدا في الإضاءة على مقاطع من تاريخ مصر الفني في النصف الثاني من القرن العشرين. فضلا عن حكايات سمير صبري وحواديته تشيع حميميةً وألفةً بين من يقرأها وكثيرين ممن تتعلّق بهم، عبد الحليم حافظ ووردة وبليغ حمدي وعبد الوهاب وسعاد حسني وشادية ونجلاء فتحي ومحمد الموجي وعادل إمام وليلى مراد... إلخ. ولعلها حكايةً تتوفّر على بعد وثائقي تلك التي أوردها عن مقابلته التلفزيونية مع موسى الصدر، في الإسكندرية، ساعاتٍ قبل سفر الرجل إلى ليبيا، واختفائه هناك.
ليس سمير صبري كاتبا محترفا، ولا دراية له بكتابة السيرة والمذكّرات، غير أنه يُحسَب له أنه بادر إلى طرح كتابٍ له أفاض فيه بكثير مما في ذاكرته ومن ذكرياته، وسجّل ما لم ير فيه مساحةً من هتك خصوصيات، وقد قال إنه لم يكتُب كلّ ما يعرف، غير أنه صنع طيّبا أنه كتب وحكى، وفعل هذا بحبّ كبير، وهو الفنان المعروف بودّه الكثير أصدقاءه وزملاءه، وهو "الكريم إلى درجة الزّهد"، على ما كتب زاهي حوّاس في مقدّمةٍ للكتاب الذي يفرَح به قارئه ويسعَد به.