''سحرُ كرة القدم'' ... المستديرةُ التي نُحب
لا تزيّد في القول إن كتاب ''سحر كرة القدم''، الذي أصدرته صحيفة وموقع 'العربي الجديد'، بالعربية والإنكليزية، تزامناً مع تنظيم قطر مونديال 2022، يشكّل أفقاً جديداً في أدب كرة القدم العربي. فلأول مرة تُصدر مؤسّسة إعلامية وثقافية عربية كتاباً يضم نصوصاً لـ61 كاتباً عربياً وأجنبياً، يتقاسمون فيها مع القرّاء تجاربهم وذكرياتهم وتأملاتهم بشأن الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وهو ما يجعل الكِتاب ذا قيمة كبيرة، ولا سيما في ظل النقص الذي تعرفه المكتبة العربية في هذا الصدد. فعلى الرغم من أن الاهتمام الشعبي العربي بكرة القدم يعود إلى بداية القرن المنصرم، لكنها لم تكن يوماً محطّ اهتمام الكتّاب والأدباء وعلماء الاجتماع. ومردُّ ذلك، على الأرجح، إلى رؤيةٍ نخبويةٍ متعاليةٍ، متوطّنة في الحقل الثقافي العربي، تقرن الاهتمام بهذه الرياضة بمحدودي التعليم والثقافة.
وإذا كنا لا نكاد نعثر في المدوّنة الأدبية العربية على نصوصٍ تحتفي بكرة القدم مصدراً للبهجة (والحزن أيضاً!) ومستودعاً للذكريات التي تكفي مشاهدةُ مباراةٍ لبعث الحياة فيها، فإصدارُ كتاب يحكي فيه أدباء، من الشرق والغرب، ''عن الشغف باللعبة الأكثر بهجةً '' من شأنه أن يساعد على تخطّي هذه الرؤية المتعالية، وإعادة التفكير في كرة القدم ''التي تُغدق علينا أصنافاً من الملذات السحرية في المهارات الفردية والتكتيكات الجماعية (...)، في تلك الملاحم والتراجيديات التي تصنع التألق الباهر والسقوط المريع''، بتعبير الكاتب المغربي محمد الأشعري. يتعلق الأمر بكتابٍ لا يسلّط الضوء فقط على منطقةٍ لا تزال بكراً بالنسبة إلى هذه المدوّنة، وإنما يمدُّ كذلك جسوراً نحو ما يُكتب عن كرة القدم في جغرافياتٍ ثقافية أخرى. وقد كانت ''العربي الجديد'' حريصة على إفساح المجال لأدباء من آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، كانوا حرصاء، بدورهم، على تقاسم نصوصهم مع القارئ بما أثرى الكِتاب ومنحه تنوّعاً بدا واضحاً في المرجعيات والحساسيات والخيارات الفنية والجمالية. وهو تنوّع يؤكّد الأفق الإنساني المشترك الذي توخّت دولة قطر توسيعه بتنظيمها المبهر كأس العالم 2022.
يستعيد القارئ في هذا الكتاب لحظة فرح أو غضب أو خيبة أمل عاشها على الشاشة أو على مدرّجات الملاعب، لحظة قد تحيل إلى ''سحر أثيري'' بتعبير الشاعر الكيني كريستوفر أوكيمْوا وهو يتذكّر هدف مارادونا، الذي سجّله بيده، في مرمى المنتخب الإنكليزي (1986)، أو إلى نوستالجيا عائلية، كما في نص الكاتبة التشيلية خيمينا طرونكوسو حين تستعيد ذكرى جدّها ''جالساً (..) يستمع بإجلالٍ إلى بثّ المباريات من مذياع قديم ضخم كان يضعه على البيانو الكبير''، أو حتى إلى حدث مأساوي كما في مقالة الكاتب اليوناني ديمتريس أنجيليس، وهو يستعيد فاجعة 8 فبراير/ شباط 1981 ''حين سبّبت بوابة أحد الملاعب اليونانية مقتل مشجّعين من جمهور نادي أولمبياكوس''. كذلك، لا تخلو بعض النصوص من لمحةٍ فانتازيةٍ جميلة، كما في نصّ الكاتب الروماني إيون دياكونيسْكو الذي يعود بنا إلى الجذور الأولى لكرة القدم، حين كان هناك ''إلـه حائر ينظر إلى الأرض، فأبصر أناساً حزينين، كان أطفالهم يلعبون بظلالهم (...) فأحصى النجومَ بعُجالة، وقذف على الأرض بالوناتٍ سمّاها الناسُ كراتٍ، وسُمّيت أكبر كرة بينها كرة القدم".
مما يستدعي الإشادة، أيضاً، في الكتاب تجاوز النظرة النمطية التي تقصر حبَّ كرة القدم على الرجال. وقد كان جميلاً الانفتاح على ما جادت به مخيّلات كاتبات عربيات وأجنبيات من نصوصٍ بديعة، استوحَين فيها تجاربهن وتجارب آبائهن وأجدادهن وأخوالهن وعمّاتهن مع كرة القدم، وهو ما منح الكتابَ توازناً جندرياً لافتاً في وقتٍ تتسع فيه قاعدة النساء الشغوفات بكرة القدم.
ليس ''سحرُ كرة القدم'' مجرّد كتابٍ يقتحم قارّة غير مأهولة في الأدب العربي، بقدر ما هو أيضاً ''هدية ثمينة إلى جمهورية كرة القدم التي لا حدودَ لها ولا علَم واحداً لها'' على حد تعبير الصديق معن البيّاري الذي أعدّه وحرّره؛ إنه كتاب في حبِّ كرة القدم.