زيرو شيرين وشعبوية الفنان
حلقت المغنية المصرية شيرين عبد الوهاب شعرها "زيرو"، منذ أكثر من عشرة أيام، وهذا الخبر، بكل ما يتعلق به، هو "الترند" على مواقع التواصل الاجتماعي. حلقت شعرها زيرو إثر خلاف مع زوجها، وهو مغنٍّ مغمور، أدّى إلى انفصالهما. ويصلح خبر هذا الانفصال لأن يكون حديث الصحافة الفنية الصفراء، كما ظهر أول مرة، عقب نشر صحيفةٍ مختصةٍ بالفضائح الفنية، تسريبا لمكالمةٍ هاتفيةٍ لوالد زوج المغنية شيرين، أدّى إلى أن تأخذ الحكاية أخذا وردّا وقضايا قانونية، مثيرة للسخرية والأسى في الوقت نفسه، لما فيها من دلالةٍ على تفاهة الزمن الذي نعيش فيه، والخراب الذي طاول النفوس، حتى أصبحت سير البشر (ولو كانوا نجوما مشهورين) وحيواتهم الشخصية مجالا للابتزاز بذريعة السبق الصحافي.
دخلت شيرين، خلال السنوات الأخيرة، بسبب تصريحات عفوية لها هنا وهناك، المحاكم، بسبب قضايا تافهة رفعها ضدها محامون مصريون يتصيّدون أخطاء المشهورين بذريعة الدفاع عن القيم المصرية. وتعرّضت في حياتها الشخصية إلى تعنيفٍ كثيرٍ من أزواجها، كان جديدها طلاقها من زوجها حسام حبيب، وحلقها شعرها، وظهورها في إحدى حفلاتها بهذا المظهر الجديد الذي حصد تعاطفا كثيرا معها، فنيا وجماهيريا، إذ اعتبر بعضهم أن حلقها شعرها رد فعل نفسي على أذىً تعرّضت له من زوجها السابق، فالشَّعر أحد أسرار جمال المرأة، وعندما تتخلى عنه، لغير مرض عضوي، فذلك يعني أنها في حالةٍ قصوى من الاضطراب النفسي الذي يحتاج صاحبه التعاطف والدعم النفسي والمعنوي. ولكن شيرين، في ردّها على حملات الدعم معها، أظهرت ضحالة فكرية وثقافية ملفتة حقا للنظر، برّرها بعضهم بأنها أصلا قادمة من بيئة بسيطة وشعبية، وتصريحاتها تشبه البيئة التي خرجت منها، وهو ما أراه، شخصيا، تبريرا وتعزيزا للضحالة والشعبوية، وتكريسا لنظرية فصل الفن عن الثقافة والقضايا العامة، وهي واحدةٌ من الأسباب التي جعلت الفن في العالم العربي ينحدر إلى مستوى غير مسبوق من التشابه والتسابق نحو الرداءة.
لا تنتمي شيرين إلى مطربي الفن الشعبي، وليست مطربة مهرجانات. هي فنانة مكرّسة لحّن لها ملحنون كبار، ولها جمهور واسع ومتنوّع. لكنها على مستوى الوعي الفكري والثقافي لا تختلف أبدا عن وعي مطربي المهرجانات، وليس عارا أن ينتمي فنان ما إلى بيئةٍ شعبيةٍ وبسيطة. والحقيقة أن معظم الفنانين ينتمون إلى هذه الطبقات، لكن الفنان الحقيقي يدرك أن الموهبة والحظ الجيد لا يكفيان، يحتاجان إلى جهدٍ ذاتيٍّ للتغلب على رواسب البيئة في اللاوعي. ولا يتحقًق هذا الجهد بدون الثقافة والانتباه إلى القضايا المجتمعية والسياسية العامة.
كان يمكن لشيرين، لو أنها تتمتع بذكاء ثقافي أو بحدس أخلاقي يوازي موهبتها، أن تستغلّ الحالة التي أدت بها إلى حلق شعرها على "الزيرو" لإعلان موقف أنثوي من قضايا المجتمع الذكوري الأبوي الذي لطالما عانَت منه. كان يمكن لشعرها الحليق أن يكون صرخة احتجاج لما تعانيه، باعتبارها أنثى ووصفها فنانة، من سلطة المجتمع البطريركي المجتمعي، المتمثل، في حالتها، بالزوج وبوالد الزوج، وبالسلطة القضائية التي لطالما جرّتها إلى المحاكم، وبالنظام الإعلامي الفضائحي الذي يستبيح الحياة الشخصية لأيٍّ كان، وبالسلطة الذكورية التي وضعت مقاييس عالمية تجارية لمواصفات المرأة الجميلة، جعلت من النساء، لا سيما العاملات في حقل الفن، أشبه بالدّمى المحقونة سيليكون، بملامح متشابهة وأرواح ميتة. كان يمكنها تمثيل النساء المعنّفات اللواتي تعرّضن لانتهاكاتٍ متعدّدة ومتواصلة من هذا النظام الأبوي الذكوري العالمي، لكنها فضلت أن تخضع له، وأن تختار الشعبوية التي تكسبها مزيدا من المعجبين، الخاضعين مثلها لكل أنواع السلطة في مجتمعات فاشلةٍ ومنهارة وبائسة، تساند مستبدّها السياسي والديني والإجتماعي، في أوضح تجلٍّ لمتلازمة استوكهولم الشهيرة.
"هو الراجل وجزمته فوق راسي، هو الدكر وسيد البيت وأنا تربيت إني أحطّ الراجل فوق راسي وقصيت شعري عشان ما يشوفنيش أنثى". بهذا التصريح البائس والشعبوي، ردّت شيرين على أسئلة حلقها شعرها، ولا يخفى أن تصريحا كهذا سوف يعجب ملايين الغوغائيين ممن سيدخلون وسائل التواصل، ويعبّرون عن إعجابهم برجعية شيرين التي تثبت ما يؤمنون به. اختارت شيرين الطريقة الأسلم والأسهل لتبرير مظهرها الجديد، الطريقة التي لا تتحمّل بها تبعات اجتماعية، ولا تدفع مقابلها أثمانا كبيرة، لكن كيف يمكن احترام فنانٍ موهوب، ينحدر في تفكيره إلى هذا السوء والبؤس؟