16 نوفمبر 2024
زياد الرحباني مجدّداً
استحقّ حديث الموسيقي والملحن، زياد الرحباني، يوم الجمعة الماضي في فضائية المنار، عن "مصالحةٍ" تمت بينه وبين والدته فيروز، أن تطيّره وكالة رويترز خبرا، ليعرف الملايين به، فلا يقتصر عارفوه على من شاهدوا المقابلة التلفزيونية، بعد أن نقلته عن الوكالة صحفٌ ومواقعُ إلكترونيةٌ عديدةٌ، بل وفضائيات تلفزيونية أيضا. وربما وجدت "رويترز" في قول زياد عن "تعاونٍ" له مع فيروز، في حفلةٍ غنائيةٍ تقام العام المقبل أهميةً تعزّز التفاتَتها، المهنية الإخبارية المحض، إلى واقعة المصالحة (للحق، لم يسمّها كذلك)، حيث أصبحا يتواصلان مع بعضهما ويلتقيان. ومعلومٌ أن جفاءً كبيرا جرى بين الموسيقي المعروف ووالدته الأيقونة (ومعها أختُه)، بعد أن أجاز لنفسِه أن يقول إن فيروز معجبةٌ بالأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في مقابلةٍ مع فضائية الميادين، قبل أزيد من أربع سنوات، ما أغضب الفنانة الكبيرة التي تحرص، منذ أطلّت على جمهورها العريض قبل عقود، على أن يظلّ هواها السياسي مكتوما ما أمكن، وأن تبقى خارج أيٍّ تصنيفٍ لبناني أو عربي في هذا الشأن وذاك، بل إن تحفّظها المفرط، وازورارها العتيد عن الإعلام ووسائطه، جعلاها حالةً "كهنوتيةً" مغلقةً إلى حد كبير. خدش ابنُها، في قولته تلك، جدارا فيروزيا سميكا، وهذا أمرٌ لا يحقّ له أبدا، ما أغضب سيدة الأكوان، وصاحبة الصوت الذي لا قبله صوتٌ أشفُّ ولا بعده، بل وأغضبنا نحن، إذ كيف يأتي على أمرٍ كهذا، وإذا كانت فيروز معجبةً بنصرالله، من قال له إننا نريد أن نعرف هذا...؟
إنها الثرثرةُ كيفما اتفق، صار الموسيقي، والملحن المجدّد عن حقّ، مقيما عليها، وفي أي موضوعٍ مبذولٍ قدّامه، وتعتبره فضائيتا الميادين والمنار الشقيقتان نجما جذّابا لجمهورهما عندما يحكي عن ولعه ببشار الأسد "الصامد الأكبر"، وعن إعجابه بإدارة هذا الرجل (والروس أيضا) الأزمة في سورية. ولا يبدوان، إعجابُه وولعُه هذان، مفاجئيْن، فقد كتب مرّة إنه يؤيد قتل ستالين ثلاثة ملايين روسي، من دون تدقيقٍ لازم بالعدد، فالديكتاتور السوفييتي الشهير قتل نحو عشرين مليونا، لكن زياد الرحباني ليس حنبليّا بشأن من يُزهق الطغاةُ أرواحَهم في أي مطرح.
استهلك المسرحي والموسيقي المجيد كلاما كثيرا في سنوات المحنة السورية الراهنة، ثرثر فيه عن الربيع العربي وعن الثورات وعن الأسد وبوتين، فخصم كثيرا من صورته فنانا فحسب، لدى جمهورٍ واسع، محبٍّ لمنجزه الفني اللافت. وجاء طيبا أنه في ظهوره (أو إطلالته بحسب المفردة اللبنانية الذائعة؟) التلفزيوني، قبل أيام، أنه أبلغ مستمعيه عن الحفل الذي يتعاون فيه مع فيروز وسيتم العام المقبل. هذا طيّبٌ، وطيب أكثر أن "رويترز" أشهرته، لننتظر حدثا فنيا عربيا جميلا. وحسنا أن عماد مرمل حاور زياد الرحباني في غير شأن شخصي، ولم يأخذ الدردشةَ المرتجلةَ بينهما إلى مَواطِن التعاسة الغزيرة التي يحترفها الفنان المعروف، عندما يذمّ من لا يروقون له من غير تحرّز، وعندما يسترسل في مدائح فائضة لبشار الأسد. وفي البال أنه ورّط نفسه، في حديث تلفزيوني مرة، بكلامٍ رديء عن زعيم "القوات اللبنانية"، المليشياوي إياه، سمير جعجع، لمّا شابهه بالإخوان المسلمين، فلمّا كسب هذا دعوى قضائيةً عليه، وحُكم له بتعويضٍ مادي (660 دولارا!)، انتصر كثيرون في اعتصاماتٍ (شارك أدونيس في أحدها!) لزياد الرحباني، وحريته في التعبير.
حسنا أن "سوء التفاهم" مع فيروز انتهى، بعد أن "استفاد منه أناس كثيرون"، على ما قال الرحباني الابن. وحسنا أن مشروع زواج (الرابع على ما عرّفتنا "المنار") سينخرط فيه الفنان الستاليني الهوى. وألف سلاماتٍ له، إذ يعاني من مشكلاتٍ في البنكرياس، "منعته من الشرب"وأخذته إلى التدخين، كما قال. هذه أخبارٌ أهم من رطانات الموسيقي الستّيني عن صمود الأسد، وهو المفترض أن يجعله حسّه الجمالي، وكذا اشتغالُه بالفنون، إلى شعور إنساني رفيعٍ وعالٍ تجاه ضحايا كل عسفٍ في كل رقعةٍ في الأرض، سيما في الجوار السوري المنكوب.