22 أكتوبر 2024
زياد الرحباني أم سمير جعجع؟
صحيحٌ تماماً قول سليم الحص إن في لبنان كثيراً من الحرية وقليلاً من الديمقراطية، ففي وسع أي أحدٍ، ولو ذا حيثيةٍ صغرى، أن يتحدّث عن أي أحدٍ كيفما شاء، في أي محطة تلفزيونية. وإذا ما احتكم متضرّرٌ من كلامه إلى القضاء، فإن مسلكاً مثل هذا يصبح انتقاصاً من حرية الرأي والتعبير. أما إذا ما صدر حكمٌ لصالح المشتكي، فإن لبنان يصير في خطرٍ، جرّاء هذا "التعدّي" على الحريات العامة. يحدث هذا في هذا البلد الذي يلحّ أبناؤه، ونخبُه، في مواسم كلاميةٍ لا تتوقف، على تعزيز دولة القانون، وصيانة الديمقراطية، وعلى لوازم أخرى واجبة في دولةٍ مدنيةٍ، تأخذ بالتعدّدية السياسية، وتعرف انفتاحاً إعلامياً مشهوداً. ومن البديهي أن تتحصّن حرية التعبير بالقانون من الحسابات والاعتبارات السياسية، وأن تتوفر التشريعات والقوانين الخاصة بها على ضوابط تحول دون أن تخصم هذه الحرية من مساحات الآخرين من دون دليل، وباتهاميةٍ كيفما اتفق. ولذلك، تتوفر كل قوانين النشر في العالم (تقريباً) على بنودٍ تعالج مسألتي القدح والذّم.
عندما تقدّم رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بشكوى جزائيةٍ في محكمةٍ على الفنان اللبناني، زياد الرحباني، قبل ثلاث سنوات، بعد أقوالٍ للأخير في برنامج تلفزيوني، اعتبر جعجع أنها تضمنت تعريضاً به، فإنه لم يقترف أمراً مستنكراً، ولم يُمارس فعلا مستهجناً. وعندما حكم قضاة المحكمة، قبل أيام، بتغريم الرحباني مليون ليرة لبنانية (660 دولاراً)، مع تحميله مصاريف الدعوى، وإلزامه بقبول ردّ المدّعي، فإنهم قاموا بوظيفتهم، وأعملوا القانون الذي بين أيديهم في قضية "قدحٍ وذمٍّ" نظروا فيها. وإذا لم يعجبنا هذا القانون، فإن المجتمع المدني وقواه، والصحافة والرأي العام، مطالبون بالضغط على المجلس النيابي لتغييره أو تعديله.
قد لا يُعجب هذا "التبسيط" هنا من تضامنوا مع (الرفيق) زياد الرحباني، واستهجنوا إقدام زعيم مليشيا ذي ماضٍ أسود على شكاية فنان وموسيقي (ومناضل) في محكمة. ومع التسليم بحق هؤلاء في تنظيم أكثر من اعتصام انتصاراً لرفيقهم، فإن الديمقراطية نفسها التي تمنحهم هذا الحق لا تجيز للمذكور أن يقول في برنامج تلفزيوني (في 31 /12 /2013) إن سمير جعجع هو من فجّر كنيسة سيدة النجاة (فبراير/ شباط 1994)، فالقضاء لم يحسم هذا الاتهام بعد، فليس جعجع مداناً في تلك الجريمة. وإذ يقال إن كلاماً مثل هذا يتحدّث عنه اللبنانيون بعادية، فذلك لا يجيز لأي أحدٍ أن يستسهل الكلام المرسل، ذا الحساسية الخاصة، أمام الناس في التلفزات ووسائط الإعلام. ومن الغريب أن تتم مناصرة زياد الرحباني باعتباره فناناً، فيما الدعوى القضائية تتعلق به مواطناً لبنانياً، يشكوه مواطنٌ لبناني آخر. ويعرف صاحب هذه الكلمات مَن هذا ومَن ذاك. الرحباني موسيقي مبدع، وشغوفٌ بستالين (قاتل الملايين في الاتحاد السوفياتي)، ومحبٌّ للمخابرات السورية ويُؤثرها على المعارضة السورية. وسمير جعجع أحد عناوين حربٍ أهليةٍ قذرة، موصوفٌ باقتراف شناعاتٍ دامية، ويتزعم حزباً عنصرياً معلوم المسار.
نعم، حق السخرية مكفولٌ للمسرحي والمغني الموسيقي صاحب "فيلم أميركي طويل" وغيره، من سمير جعجع وغيره. وله أن يشبّه الأخير بالإخوان المسلمين في (إطلالته؟) تلك موضوع الشكوى الجزائية. تماماً كما من حق من يستشعر ضرراً في هذه السخرية (السمجة؟) أن يستأنس برأيٍ قانونيٍّ عما إذا كانت إطالة اللسان كيفما اتفق سخريةً جائزة في مواضعات حريات الرأي والتعبير. ولأن المسألة على هذا النحو، أو يجب أن تكون على هذا النحو، فإن عنوان هذه المقالة أعلاه عبيط وغير موفق، فلسنا أمام خيارٍ بين شبّيح بلا أيّ حياء ومليشياوي بلا أيّ مأثرة، حتى ننحاز إلى أيٍّ منهما، وإنما الأمر هو التذكير بأن لبنان ما زال في حاجة إلى مقادير كثيرة من الديمقراطية ومظانّها، وإلى أن يتخفّف من غلواء الحريات الفالتة إنْ أمكن، ليتعافى أكثر. والظاهر أن أدونيس في حاجةٍ إلى أن يعرف هذه المعادلة جيداً، وقد جاءت أخبارٌ على مشاركته في اعتصامٍ في بيروت تضامن مع زياد الرحباني، المولع ببشار الأسد على ما يعرف الشاعر الكبير.