روسيا أولاً في لقاء بايدن وأردوغان

13 يونيو 2021
+ الخط -

تترقب أوساط تركية، سياسية واقتصادية، ما سيسفر عنه اللقاء الذي سيعقد بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن، غداً في الرابع عشر من يونيو/ حزيران، على هامش أعمال قمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، لكنّها لا تبدي تفاؤلاً كبيراً بأن يُحدث اللقاء اختراقاً باتجاه إنهاء حالة التردّي والتوتر التي تعتري العلاقات التركية - الأميركية، على الرغم من أنّ المسؤولين الأتراك لا يُخفون رغبتهم في تحسين العلاقات بين بلادهم والولايات المتحدة، بما يفضي إلى حلّ الخلافات وفتح صفحة جديدة من التعاون والتفاهم بين البلدين. كما أنّ الأوساط الاقتصادية والمالية تترقّب اللقاء أملاً في أن تنعكس نتائجه إيجابياً على الاقتصاد التركي، إذ طالب رجال أعمال أتراك وأميركيون، في رسالةٍ مشتركة، الرئيسين أردوغان وبايدن، بتحسين علاقات البلدين وطيّ الخلافات بينهما، وذلك للحدّ من استمرار التأثير السلبي لتردّيها على الاقتصاد التركي والمستثمرين الأجانب.

ستكون للقاء القمة المنتظر، بوصفه الأول بين أردوغان وبايدن بعد تولي الأخير رئاسة الولايات المتحدة، أهميته وتأثيره في مسار علاقات الدولتين، إلّا أنّه لن يكون كافياً لإنهاء التوتر والعودة إلى علاقة الحليفين الاستراتيجية التي كانت تقوم على التنسيق والتعاون والثقة المتبادلة، بالنظر إلى جملة مسائل خلافية شائكة تراكمت بينهما منذ عام 2003، عندما رفض البرلمان التركي تقديم مساعدات لوجستية للقوات الأميركية إبّان الغزو الأميركي للعراق. واتسعت دائرة الخلافات بمرور السنوات، لتشمل ملفات إقليمية عدة خلال فترة رئاسة باراك أوباما، حين تباينت مواقف البلدين من الثورات العربية، خصوصاً الثورة السورية، نتيجة دعم واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في سورية ومليشياته المسلحة، والإدارة الذاتية التي شكلها في مناطق الجزيرة السورية، والتي تعتبرها تركيا خطراً عليها. ثم تعمّقت الخلافات بين الطرفين، عندما اتهمت أوساط تركية إدارة الرئيس أوباما بدعم المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز 2016، وطالبتها بتسليم الداعية فتح الله غولن، الذي اتهمته أنقرة بالوقوف وراءها، لكنّ واشنطن رفضت الطلب التركي، وما زالت ترفضه.

ولم تتغير الأحوال كثيراً خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، بل دخلت العلاقات التركية - الأميركية في حلقة سلبية على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أفضت إلى تفاقم التوتر، وإلى تغيّرٍ في وجهة السياسة التركية باتجاه التفاهم والتنسيق مع روسيا في ملفاتٍ عدة، ليتوج ذلك التغير بشراء تركيا منظومة الصواريخ "إس - 400" الأمر الذي أثار حفيظة الإدارة الأميركية، فأخرجت تركيا من المشاركة في برنامج تصنيع المقاتلة "إف – 35"، وفرضت عليها عقوباتٍ استهدفت شخصياتٍ في مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية بموجب قانون "مكافحة خصوم الولايات المتحدة عبر العقوبات" المعروف اختصاراً باسم قانون "كاتسا". ثم جاء إعلان الرئيس بايدن، أخيراً، أنّ الأرمن تعرّضوا في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية عام 1915 لإبادة جماعية، كي يثير غضباً تركيا واسعاً، ويزيد من التوتر بين أنقرة وواشنطن، على الرغم من أنّه لم يُحمّل تركيا المسؤولية عنها.

جنوح تركيا نحو التهدئة والتوصل إلى حلّ عبر عرض صيغةٍ تقضي بوضع منظومة الصواريخ الروسية في قاعدة إنجرليك الجوية

وبناء على ما سبق، ستكون أجندة اللقاء مثقلة بالملفات والقضايا الخلافية. لذلك، لم يخفِ مسؤولو البلدين مطالبهم العلنية التي ضمّنوها في رسائلهم قبيل انعقاد القمة بين الرئيسين، وتأرجحت تصريحاتهم التي أطلقوها ما بين محاولات تهدئة التوتر وتخفيف التأزّم بين البلدين، وبين التحذيرات التركية والتلويح بفرض مزيد من العقوبات الأميركية على تركيا في حال تجاهل المطالب الأميركية، إذ اعتبر الرئيس أردوغان القمة حدثاً "سيدشّن حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين" فيما اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أنّ هناك رغبة أميركية جديدة في العمل مع تركيا. في المقابل، رأى قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، كينيث ماكنزي، أنّ اللقاء المرتقب بين أردوغان وبايدن ستكون له إيجابيات في علاقات البلدين، وأنّ ما تفعله الولايات المتحدة مع تركيا "زيادة المجالات التي يمكننا فيها التوافق والتلاقي". لكنّ نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، أعلنت، في ختام زيارتها أنقرة، تحضيراً للقمة المرتقبة، أنّ "الولايات المتحدة عرضت على تركيا بدائل تجنّبها العقوبات المفروضة على خلفية شراء منظومة، إس - 400، الروسية، وأنّها تعرف ما يتوجب عليها فعله، لأنّ خطوتها هذه ولّدت أزمة داخل حلف شمال الأطلسي". بينما عاد الرئيس أردوغان إلى تنبيه الولايات المتحدة وتحذيرها من مغبّة المخاطرة "بخسارة صديق قيّم" إذا ما سعت إلى "حشر" بلاده في الزاوية، ووعد بأن يسأل بايدن حين يلتقيه عن "سبب توتر العلاقات التركية الأميركية إلى هذا الحد".

ويبدو أنّ التركيز الأميركي يتمحور بشكل خاص على منظومة الصواريخ الروسية "إس – 400" والتقارب التركي مع روسيا، إذ تطالب الولايات المتحدة تركيا بالتراجع عن صفقة الصواريخ، ولم تقبل تطميناتها بأن تكون تلك الصواريخ تحت السيطرة التركية التامة، وألّا يكون هناك خبراء عسكريون روس في تركيا، الأمر الذي يفسّر عدم توقفها عن التلويح بفرض مزيد من العقوبات على تركيا إن لم تلبِّ مطالبها، وما يترتب على ذلك من تعديل السياسة التركية حيال روسيا والتعاون معها في ملفات إقليمية عديدة.

التركيز الأميركي يتمحور على منظومة الصواريخ الروسية "إس – 400" والتقارب التركي مع روسيا

وإذا كان من الصعب على تركيا التضحية بعلاقاتها مع روسيا، من أجل تخفيض التوتر مع الولايات المتحدة، فإنّ تقارير إعلامية تتحدث عن جنوح تركيا نحو التهدئة والتوصل إلى حلّ عبر عرض صيغةٍ تقضي بوضع منظومة الصواريخ الروسية في قاعدة إنجرليك الجوية، حيث توجد قوات أميركية، ومن دون مشاركة روسيا في تشغيلها أو صيانتها، الأمر الذي يذكّر بمصير الصواريخ الروسية "إس – 300" التي اشترتها قبرص من الاتحاد السوفييتي السابق، ثم اضطرت، تحت الضغط التركي والأطلسي، إلى التخلي عنها عام 1997 لليونان التي ركنتها في جزيرة كريت، لكنّ أسئلة عدة تطرح، في هذا السياق، بشـأن المقابل الذي ستقدمه الولايات المتحدة لتركيا حيال خطوةٍ كهذه.

وهناك من يجادل بأنّ مصالح كلا البلدين تقتضي عدم تخلي بعضهما عن بعض، وأنّ أردوغان وبايدن سيركّزان على مجالات التعاون التي تشكل طريقاً لتدوير الخلافات وتطبيع العلاقات بين البلدين، إلّا أنّ من غير المرجح أن تعود العلاقات بينهما إلى سابق عهدها من التحالف والتنسيق المتبادل، بالنظر إلى قائمة الخلافات المتراكمة التي تمتدّ من العلاقة مع روسيا والدعم الأميركي للمليشيات الكردية في شمال سورية والوضع في العراق وفي ليبيا، لتطاول التوترات والخلافات مع اليونان في منطقة شرقي المتوسط والبحر الأسود والقوقاز ومحاكمة بنك "خلق" التركي في نيويورك، المتهم بمساعدة إيران على التهرّب من العقوبات الأميركية وسواها. وبالتالي، يتطلب حلّها مساعٍ وتفاهمات كثيرة، وعقد أكثر من قمة.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".