رمضان وباب العامود في القدس
مع بدء شهر رمضان، ومع زيادة الخوف من تصعيد في المقاومة الفلسطينية، تتركّز الأنظار على مدينة القدس، وبالذات على المسجد الأقصى الذي يؤمه مئات الآلاف، خصوصاً أيام الجمعة. ومع أهمية المسجد الأقصى إلا أن التخوف الأكبر من أي تصعيد قد يكون انتقل من داخل القدس ومنطقة الحرم القدسي الشريف إلى منطقة باب العامود، وخصوصاً في ساعات ما بعد الإفطار. لقد أصبح باب العامود رمزاً للنشاط الوطني الفلسطيني، ويمتزج الباعة المتجوّلون مع النشطاء لتوفير أجواء رمضانية جميلة، تستمر لدى بعضهم إلى ساعات الفجر.
يسمّى باب العامود بالإنجليزية باب دمشق (Damascus gate)، لأن الحافلات والسيارات كانت تنطلق من ساحة باب العامود إلى الشام، ولكن الاحتلال ألغى الساحة أمام باب العامود، وأقام مدرجاً حجرياً. واستغلّ المقدسيون هذا للقيام بنشاطات اجتماعية ووطنية، يحضرها مئات الشبان والعائلات للسمر والاحتفال بالغناء والرقص، وأيضاً برفع الشعارات الوطنية. ولكن الاحتلال اكتشف أن السحر انقلب على الساحر، فمنذ سنوات عدة قام بتخريب المنطقة، من خلال بناء مقرّات يتمركز فيها جنود الاحتلال للمراقبة دائماً، والتنغيص على احتفالات فلسطينية حسب مزاجهم، لا سيما عند رفع المحتفلين الأعلام الفلسطينية، والذي تعتبره المحاكم الإسرائيلية أمراً شرعياً، فيما تعتبره الشرطة، كما زعم وزير الأمن العنصري إيتمار بن غفير، مخالفة للقانون، وتحريضاً على العنف والإرهاب.
وقد تكون أجمل المشاهد في النهار هي لتلك النسوة اللواتي يأتين من قرى فلسطينية مجاورة يضعن منتجها الزراعي للبيع، وللأسف يواجهن مضايقات مستمرة من بلدية القدس الإسرائيلية والشرطة التي تحاول منعهن من عرض بضاعتهن أمام باب العامود، وتستخدم العنف والشرطة الخيالة لتدمير المحصول في محاولة يائسة لمنعهن.
اشتُهر باب العامود بأنه مكان أحداث تاريخية مهمة عديدة في القدس، فقد كان مدخلاً لحروب عديدة شهدتها المدينة
وبما أنه يجري منع دخول السيارات البلدة القديمة من باب العامود، فقد اعتادت العائلات على استئجار شخص، إما بعربة من ثلاثة دواليب أو أشخاص يعملون بأجرة لحمل بضاعتهم. وقد نقل الفنان الفلسطيني سليمان منصور، في إحدى أهم لوحاته، صورة لهذا العامل البسيط وهو يحمل على ظهرة مدينة القدس بأكملها، وكأنه يعكس، في الوقت نفسه، معاناة المقدسيين، وينقل أهمية القدس إلى الجميع. وقد أنتج فنانون مقدسيون، أخيراً، مسلسلاً تلفزيونياً سمّوه "باب العامود"، يحكي قصص سكان القدس الفلسطينيين (أكثر من 35 ألفاً). وقد نشر صحافي إسرائيلي أن عدد العرب في القدس القديمة من مسلمين ومسيحيين يصل إلى أكثر من 80% من السكان، فيما عدد اليهود في حارة اليهود لا يتجاوز 10%، والباقي رهبان ورجال دين مسيحيون من الطوائف المتعدّدة أكبرها الأرمن، والذين يتمتعون بحرية كاملة. وهناك حارة النصارى وباقي حارات القدس. وقد نجح الإسرائيليون بزرع فكرة وجود أربع حارات في القدس، في محاولة خبيثة لمساواة حارة اليهود بالحارات الباقية، ولكن المؤرّخ البريطاني، ماثيو تيلر، وهو صحافي يعمل في "بي بي سي"، فجر تلك الفكرة في كتاب موثق، لقي رواجاً كبيراً بعنوان "حارات القدس التسع".
باب العامود أحد أبواب القدس القديمة، يقع في الجزء الشمالي من الجدار الغربي للمسجد الأقصى. ويعد من الأبواب الرئيسية في المدينة، حيث يؤدّي دوراً مهماً في توصيل الحركة المرورية بين القدس الجديدة (المناطق خارج الأسوار) والقدس القديمة، والتي أصبحت بأسوارها وأماكنها المقدّسة جزءاً من التراث العالمي المحمي، حسب قرارات منظمة اليونيسكو.
اشتُهر باب العامود بأنه مكان أحداث تاريخية مهمة عديدة في القدس، فقد كان مدخلاً لحروب عديدة شهدتها المدينة، بين الصليبيين والمسلمين في القرون الوسطى. وتعود أصوله إلى العصر العثماني، حيث أنشأه السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر. ويتميز بمعماره الجميل الذي يمزج بين الطرازين، العثماني والعربي، وبقوسه العالي الذي يشكل مدخلاً بارزاً للزوّار والمصلّين.