رمضان "بتاع إسرائيل"
يعرف الصهاينة أن الشعوب العربية لا تريدهم، وأننا نربي أبناءنا على عداوة المحتل، وأنه لا مستقبل إلا للقضية الفلسطينية، فهي غير قابلة للتصفية، وحقٌّ لن يضيع طالما وراءه مطالب. الأنظمة لا تمانع، لكن الشعوب لا تريد، (ولن تريد). ليكن المرور إلى الشعوب عبر نخبهم المصنّعة، مشايخهم ومثقفيهم وفنانيهم. تبدو صور الممثل المصري محمد رمضان مع نظراء له إسرائيليين في حفل في الإمارات طرف خيط، طُعما في شبك، ربما يغمز، ويمرّ، فيأتي غيره، وتأتي ردود أفعال "السوشال ميديا" لتسحب الشبكة والطُّعم إلى قاع المحيط. ينال رمضان جزءا مما يستحق، هجوما كاسحا، ومطالبات بمقاطعة أفلامه، وإلغاء متابعته على حساباته الافتراضية، والمطالبة بفصله من نقابة المهن التمثيلية، على الرغم من معرفة الجميع أنه ابن الدولة، وهم من جعلوه فانجعل، وهم من دفعوا به إلى الصهاينة من الإماراتيين والإسرائيليين. وعلى الرغم من ذلك، تجتمع النقابة، برئاسة أشرف زكي، وتصدر بيانا للتهدئة والاستيعاب، وتؤكد الموقف التاريخي لفناني مصر إزاء التطبيع مع العدو، وهو موقف الرفض، والذي يفرّق أصحابه بين إكراهات السياسة واختيارات الشعوب.
يحاول أنصار رمضان تبرئته بأي طريقة، يستدعون صورة قديمة للاعب المصري محمد أبو تريكة مع صهيوني، ويحاولون تحويل الإدانة إلى مكايدةٍ سياسيةٍ بين الإخوان المسلمين والنظام. تفشل المحاولة من دون التصدّي لها، شتان. ذهب رمضان إلى "إيفينت" محدد، مجهز، مرتّب له، أصحابه معروفون، ضيوفه معروفون، أجواؤه تدل عليه، فيما ذهب تريكة لحضور كأس العالم في روسيا، وليس لحضور مناسبةٍ يحضرها صهاينة عرب وإسرائيليون بهدف التقارب والتفاهم والتشبيك والتربيط مدفوع الثمن مقدّما. وافق رمضان على صورة واثنتين وثلاث، وربما أكثر، وهي صور حميمية، أحدها مع مطرب مشهور، يتغنّى ببطولات الجيش الإسرائيلي في سيناء، ويفخر في أغنيته باحتلال الصهاينة جزءا من الأرض المصرية، أم الرشراش (إيلات). أبو تريكة وافق على صورة مع معجبٍ في إطار مباراة كرة قدم.
الأهم من ذلك كله ليس الصورة، إنما ما بعد الصورة، ماذا فعل رمضان؟ وماذا فعل أبو تريكة؟ كتب أبو تريكة على حسابه على "تويتر" حرفيا: "لم أكن أعلم، وأعتذر عن الصورة، الكيان الصهيوني لا ولن نعترف بهم، فهم قتلة واحتلال، والقضية الفلسطينية هي القضية الأولى للشعوب العربية والإسلامية". هكذا أبطل تريكة مفعول الصورة تماما، ونفى أي ترتيبٍ أو تدبير أو انتفاع أو سبق إصرارٍ أو ترصّدٍ في ارتكاب جريمة التطبيع، وأكد عفوية الصورة، وأكد، من دون شك، أنه لم يكن يعرف، فماذا كتب رمضان؟ انطلق رمضان من تبرير الصورة وليس نفيها، وقال: "يهمني الإنسان ولو مالوش عنوان". اعترف رمضان بأنه التقط الصور مع "عديمي العناوين"، ولا يبالي. وحين تعرّض لهجوم شديد بسبب تعليقه، وصل إلى أن "مخبرا"، مثل أحمد موسى، يوجه له اللوم في برنامجه، ويعتبر هذه التغريدة اعترافا ضمنيا بالتطبيع! لجأ رمضان إلى استغفال الجمهور بحيلة أنه "لم يكن يعرف"، وهي الحيلة التي لا يدعمها سياق الحفل وترتيباته، ولا يصدُق عليها ما كتبه رمضان بعد انتشار الصور، ولو أراد رمضان أن ينهي ذلك كله لفعل مثلما فعل أبو تريكة، وكتب بوضوح، ومن دون لف أو دوران، إنه يتبرّأ من الصورة، وإن الكيان الصهيوني عدو، لكنه لم يفعل، وهذا هو الفارق.
لم نعد نملك من أمر بلادنا شيئا. تغوّلت الأنظمة، وتوحشت، ودفعت من أقواتنا ثمن بقائها، ومنه التطبيع الكامل مع العدو، والاستسلام الكامل له، ومحاولة إجبار الشعوب على ذلك. وحدها "السوشال ميديا" هي نافذتنا الوحيدة والأخيرة. لا ينبغي أن نضحي بها، أو نستسلم لفكرة أنها غير مؤثرة، وأن شيئا لن يحدث. رسائلنا تصل، ويُعمل حسابها، وانتصاراتنا ليست بالضرورة بالضربة القاضية، إنما هي نقاط نسجلها ونراكم عليها. يجب ألا يمر رمضان بها، حتى لا يتحوّل إلى ألف رمضان في الفن وغيره. وإذا كان مروره قدرا، كما يتصور بعضهم، فليكن مرورا مهينا ومكلفا، لا يشجّع أحدا من بعده على تكراره.