رعد حازم يكذّب غانتس
قال وزير الحرب في دولة الاحتلال، بني غانتس، أمس الجمعة في مؤتمر صحافي (مع رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي)، إن إسرائيل أقوى دولة في المنطقة. وهذا صحيحٌ على الأرجح، في احتساب حيازة قوة النيران والعتاد ومنظومات التسلّح المتقدّمة. لكنه، في مطرحٍ آخر، "كلامٌ ساكت"، بالتعبير السوداني الذي يعني أنه كلامٌ لا يقول شيئا. ببساطةٍ، لأن هذا كله لا يحمي المستوطن الإسرائيلي المستقدَم من الخوف المهول إذا ما أمكن لفلسطينيٍّ عشرينيٍّ، مسلحٍّ بروحٍ جسورةٍ وحسب، أن يتسلّل إلى تل أبيب، ويطخّ فيها ما استطاع أن يطخّ. ولذلك لم يجافِ الصحّ معلقٌ إسرائيلي كتب، قبل أيام، إن إسرائيل هي المكان الأخطر على اليهود. وما فعله الليلة قبل الماضية رعد فتحي حازم، اللاجئ المقيم في مخيم جنين، والمولود في عام توقيع اتفاقية أوسلو (1993)، أنه أكّد هذا المؤكّد الذي برهنه شبّان فلسطينيون قبله، فدائيون شجعان، ليس فقط لأنه قتل، بمسدّس صغير، إسرائيليَيْن وأصاب 15 جروح خمسة منهم صعبة، في شارع يلقبّونه شانزيليزيه تل أبيب، وإنما أيضا لأن ألفا من عناصر الشرطة وجنود هيئة الأركان العامة (سييرت متكال)، ووحدة "مكافحة الإرهاب"، والوحدة الشرطية الخاصة (يمام)، وجهاز الشاباك، ووحدة "شييتت 13" ووحدة "شلداج" (ليس ضروريا معرفة اختصاصات هذه التشكيلات)، ظلّوا تسع ساعات يفتّشون عن هذا البطل الذي استطاع الوصول إلى مسجدٍ في يافا، ليصلّي الفجر، ثم يشتبك بما تبقّى معه من رصاص مع قوة خاصة لاحقته، فيرتقي إلى العلا شهيدا. ولا ينكتب بشأن هذه التفاصيل الموجزة هذه غير ما انكتب بشأن سابقتها في شارعيْن في تل أبيب، لمّا انقتل فيهما خمسة إسرائيليين برصاصات الشهيد ضياء حمارشة قبل عشرة أيام. وخلاصته أن في وسع إسرائيل التي تصدّر تقنيات تطوير مقاتلاتٍ حربيةٍ إلى الصين أن تكون أقوى دولة في المنطقة، وتحمي نفسَها، غير أنها ستبقى عاجزةً عن حماية مواطنيها، لا لشيءٍ إلا لأن فلسطين وحدها تصل رعد فتحي حازم وضياء حمارشة وأترابهما الكثيرين مع خليل الوزير وعبد القادر الحسيني ودلال المغربي وأترابهم الكثيرين.
قال غانتس أمس إن شهر رمضان يجب أن يكون شهر عبادة. وفي استعراضه استعدادات وزارته لمواجهة "الإرهابيين"، قال إن الهلع والهستيريا ليسا خطّة عمل. أما رعد فتحي حازم فلا يحفل بعظات مجرم حربٍ مشهودٍ، وإنما يجدّد أملا باقيا بأن في وسع الفلسطينيين أن يُنقذوا أنفسهم من يباس اللحظة الراهنة، فتتجدّد المُثل الفدائية فيهم، وقد أريد لها أن تُغادرهم. وليس هذا إنشاءً يتوسّل مجازاتٍ وبلاغياتٍ عاطفية، وإنما هي الحقائق العصيّة على المحو، والبديهيات الأقوى من خرائط اليأس، تفرضان القول الصحيح عن حاجة الفلسطينيين إلى انتشال أنفسهم من قيعانٍ أخذتهم إليها رهاناتٌ خائبة وانقساماتٌ مخزية. وليس من صيغةٍ تُسعفهم في الوصول إلى هذا المشتهى غير أن تتّحد طاقاتهم في تثمير هذه الإرادة الجسورة عند شبّانهم، وقد دلّت فتحاوية رعد (والده عقيد في الأمن الفلسطيني) وضياء على أن الممكن كثير، والمقدور عليه أكثر.
صودف أن ليلة الفزع الإسرائيلي الطويل صارت فيما حكومة الاحتلال الراهنة على قلقٍ ظاهرٍ من أن تنحلّ، بعد أن تصاعد كلامٌ في أوساطٍ شديدة اليمينية والتطرّف، حواليها وفي حواشيها، إنها حكومة "غير طاهرة"، طالما أنها مسنودةٌ في الكنيست من "الحركة الإسلامية"، في الشذوذ المهول الذي اقترفه رئيس هذه الحركة منصور عبّاس. وبعد أن استفظعت نائبةٌ من حزب رئيس الحكومة، اسمها عيديت سليمان، إقدام وزير الصحة، من حزب ميرتس (اليساري)، على إجازة إدخال الخبز (بالخميرة) إلى المستشفيات في أثناء عيد الفصح اليهودي الأسبوع المقبل. لقد بان لها أن هذه الفعلة التي تخرُج عن تعاليم "الهلاخاه" تؤكّد ما كانت تلحظه من "تآكل القيم اليمينية" لحزبها. قالت هذه النائبة إنه لا يُمكنها المشاركة في المسّ بيهودية إسرائيل اليهودية، فانسحبت من الحزام البرلماني للحكومة، فتعادلت هذه في المقاعد النيابية مع المعارضة التي رحّب زعيمها نتنياهو بعودة النائبة إلى "أحضان المعسكر الوطني"... يقرأ واحدُنا عن هذا كله، فيغشاه ذهولٌ من العجيب الذي تقيم عليه إسرائيل، بأحزابها وبرلماناتها وحكوماتها، لكنه يصرف عقلَه عن "خرّافية" عيديت سليمان إلى صنيع رعد فتحي حازم، وقد كذّبَ بني غانتس قبل أن يُفضي هذا بما أفضى به عن دولةٍ أقوى في المنطقة يتوطّن في ساكنيها الهلع والفزع.