رأس الحكمة أن نسأل وأن تجيبوا
رأس الحكمة إماراتية... هذه هي الحقيقة الوحيدة حتى الآن، أو ما يمكن أن نسمّيها "معلومة"، ولا أعني إماراتية بمعنى بيعها للإمارات على طريقة بيع جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، فهذا حديثٌ آخر، لكنها إماراتية بـ"شكلٍ ما"، بيع، استثمار، شراكة، حقّ انتفاع، سنرى، المهم أنها إماراتية، فهل ثمّة مشكلة أنها إماراتية؟ نظرياً لا، فما المانع أن يستثمر "بلدٌ عربي" في مصر؟ لكننا لسنا في أوضاع عادية تسمح بالممكن والعادي، كما أن كل ما يحيط بالصفقة لا يوحي بأن ما يحدُث عادي. جاءت الصفقة بعدما دخلت مصر مرحلة "الوحوحة"، وهي كلمة مصرية، لها أصل فصيح، تشير إلى شدّة الصياح من المعاناة... البرد... الجوع... العوز... إلخ، وهي المرحلة التي يقبل فيها "الموحوح" أيَّ شيءٍ ينقذه، ومن دون شروط، فهل هذه ظروفٌ يصحّ معها النظر إلى الأمور نظرةً عادية؟ نحتاج هنا إلى مستثمرٍ بجناحين كي لا يستغلّ الموقف ويحصل على أضعاف حقّ المستثمر مقابل عشر معشار ما يستحقّه "المستثمر فيه". ربما ذلك هو الدافع من استجابة رئيس الوزراء المصري، أول مرّة، لأحد أهم الأسئلة التي طُرحت في المجال العام المصري، بمجرّد الإعلان عن الصفقة: هل باعت مصر رأس الحكمة للإمارات؟ والإجابة المقتضبة: لا. حقُّ انتفاع وليس بيعا، ورغم أنها إجابة بلا دليل واحد، إلا أن مجرّد الاستجابة سابقة حكومية تستحقّ الإشارة.
أسئلة أخرى تفرضها أجواء الصفقة الغامضة، أولها، وأخطرها، يتعلق بالمقابل السياسي، إذ يعود الفضل في عقد الصفقة، وفق رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إلى "القيادة السياسية في البلدين"، كما أن ضخّ 24 مليار دولار في شهرين إجراءٌ لا علاقة له بالاستثمار، إلا إذا كان المستثمر بجناحيْن، كما قلنا. وبما أنه ليس كذلك، فإن المقابل السياسي بديهيّة، لا تحتاج إلى تلميح رئيس الوزراء، إنما إلى تصريحه الواضح والمباشر.. بالمناسبة: مصدر هذا الرقم (24 مليار دولار) الشركة الإماراتية نفسها، ولذلك فهو الرقم الوحيد القابل للتصديق وسط غابةٍ من الأرقام المتناقضة التي تطرحها الحكومة المصرية بلا ضابط. والسؤال: ما الذي قدّمه النظام المصري، غير الأرض، مقابل الحصول على هذا الرقم الضخم في هذه المدّة القياسية؟ احتمالات إجابة هذا السؤال أخطر من احتمال بيع الأرض للمرّة الثانية، فالمشتري هذه المرّة الإمارات وليس السعودية، والفارق ليس بسيطا، كما يتصوّر بعضهم. ولذلك رأس الحكمة أن نسأل وأن نلحّ في السؤال وأن تجيب الحكومة إجابة واضحة و"محترمة"، إذا كان ثمّة مجالٌ لأي شيء محترم.
أين الرئيس؟ هذا سؤال، عابر، سأله كثيرون، إذ اختفى الرئيس تماما عن لحظة الإعلان عن صفقة الإنقاذ، وعلى غير عادته، لكن السؤال الأهم، بعد سؤال المقابل السياسي: ما الخطة؟ هذه 24 مليار دولار جديدة، سبقها ثلاثة أضعاف هذا المبلغ، على الأقل، في الدخول إلى خزينة الدولة، وفي مدد قياسية، وكان المقابل أيضاً سياسياً، وباهظاً (دعم الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013)، فما الجديد في سياسات الحكومة الذي يضمن عدم تكرار الأزمة، ويجعل من هذه المليارات، ولو مرّة، قارب نجاة؟ يُخبرنا إعلام النظام أن الخير قادم... هذه هي المرّة الكم؟ حقّاً، لا أحد يستطيع الإحصاء، نحن نسمع هذه البشرى منذ ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسي مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، أي منذ أكثر من عشر سنوات، الخير قادم، بعد عامين، ثلاثة، ثلاثة وستة أشهر، في 30/6/2020. ... هذه كلها تصريحات للرئيس، حصرا، وحرفيا، لم يتحقّق منها شيء، ناهيك عن بُشرياتٍ لا تنتهي من جنوده على شاشات "المتّحدة". ورغم ذلك لا يأتي الخير، لماذا؟ يقول الرئيس بسبب كورونا، وبسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، وبسبب الإخوان المسلمين. فيما يقول المتخصّصون في الاقتصاد، إن الأزمة سياسية وحلّها سياسي، وإن مشكلة مصر بالأساس سياسية سياسية سياسية، فما الذي تغيّر؟ ومن يملك الإجابة أو يجرُؤ عليها؟