دولة الاحتلال مبعث اشمئزاز العرب في المونديال

30 نوفمبر 2022

وشاح فلسطيني في أثناء مباراة تونس والدنمارك في مونديال قطر (22/11/2022/فرانس برس)

+ الخط -

يبلغ التمادي في دولة الاحتلال أنْ تستغرب من ردَّة الفعل العربية الشعبية الرافضة لهم، كما تبدّى في مباريات كأس العالم الجارية في قطر، أو لعله استغرابٌ ظاهريٌّ كاذب؛ لأنهم، قادةً ونخبًا، يعلمون، يقينًا، موقف الشعوب العربية من احتلالهم فلسطين، وجرائمهم المتفاقمة فيها، كما تصريحات رئيس وزرائهم المكلَّف، بنيامين نتنياهو، الشهيرة.

وقد يكون مبعث هذا التظاهر بالخيبة من ردَّات الفعل الغاضبة من الإسرائيليين؛ من مراسليهم وإعلامييهم، الإيهام بأن المساس بفلسطين، وبأهلها، لا ينبغي أن يحسَب مساسًا بالعرب، وكأنّ الانفكاك العربي عن فلسطين، والاعتقاد بحلول إسرائيل محلَّها، قد صار، الآن، متغلغلًا في الوعي العربي والإسلامي، بل في الشعور. مع العلم أن ثمّة شعوبا عربية محرومة من الالتحام مع فلسطين، وهذا يظهر على نحو عاطفي وجداني أكثر في الدول الأبعد، ربما بسبب البُعد الجغرافي، أو لأسبابٍ أخرى، كما دول المغرب العربي، تختزن هذه الشعوب شعورًا بمسؤولية أكبر، مصحوبًا، بالتأكيد، بعاطفة صافية متعطِّشة لنصرتها، ولو بهتافاتٍ متضامنة، ومناصرة، في وجه هذه القناة، أو المراسل الذي ما إن يُعلِن عن تبعيته، أو تمثيله دولة الاحتلال، حتى ينبَذ، نبذ المثير للاشمئزاز.

أثبتت الجماهير الآتية من أوساط متنوِّعة وعيًا لا يختلط، ولا يتزحزح، بتعالي الانتصار لفلسطين على الهموم الثقيلة التي تركب حياة المواطنين العرب في بلادهم

أثبتت هذه الجماهير الآتية من أوساط متنوِّعة وعيًا لا يختلط، ولا يتزحزح، بتعالي الانتصار لفلسطين على الهموم الثقيلة التي تركب حياة المواطنين العرب في بلادهم، وهم مع ذلك يبدون نوعًا من الاعتذار عن الفعل الناجع المتوقَّع منهم، بجثومهم تحت تلك الأعباء المنهِكة.

كان من الممكن أن تأخذ أجواء اللعب الكروي، والعواطف الرياضية التنافسية الجيَّاشة انفعالاتهم وهتافاتهم نحو الحدث الراهن الطاغي، ولعل هذا ما عوّل عليه المندفعون؛ من الإسرائيليين، إلى هذا التجمُّع العالمي الحاشد؛ أن يُستساغوا، ويُهضَموا، أو على الأقل، أنْ تُنسَى صورتهم المنفِّرة، ولو مؤقَّتًا، فيتسرَّبوا إلى وعي الشعوب، في خلسة من التفكير الواعي المركَّز، لكن سرعة الردّ، وانسحاب الرفض على مختلف الشعوب العربية، من خليجيين، ومصريين، ولبنانيين، ومغاربة، وغيرهم، أحبط تلك التقديرات، وأثبت أن فلسطين وحبَّها متركّز، وقريب، على طرف اللسان، وعلى شغاف القلوب.

ومع ذلك، يتسم الإسرائيليون المحتلون، بالإضافة إلى الوقاحة، بطول النفس اللئيم، هم يدركون أن معضلتهم مع الشعوب العربية والإسلامية، لا تنتهي، بخطوة واحدة. وتتبدّى وقاحتهم ليس في افتراضهم القبول الشعبي العربي، وهم مقيمون على احتلالهم، من دون أن يتركوا للفلسطينيين الحدّ الأدنى من حقوقهم، بل في افتراضهم هذا القبول، وهم يوغلون في تطرّفهم، وتطرّف حكومتهم المقبلة، برئاسة نتنياهو الذي عزم على ضمّ ورثة الحاخام العنصري مائير كاهانا، مؤسس حركة كاخ، شديدة العداء للعرب، والداعية إلى تهجير العرب الفلسطينيين من فلسطين، بعد أن وافق نتنياهو على منح إيتمار بن غفير وزارة "الأمن القومي"؛ لينال بذلك صلاحياتٍ واسعة في قتل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو المستوطن الذي يستقبله أنصاره بهتافات "الموت للعرب" فأيُّ معنىً للعرب هنا؟ هم مستحقون للموت، لأنهم عرب، ولكنْ مطلوب منهم نسيان هذا الموقف الأيديولوجي، العنصري منهم، والترحاب بممثلي هذه الدولة التي لم يعد يهمّها تظهير صورتها الديمقراطية، تحت طغيان المدّ الديني الأكثر تطرّفًا، وإرهابًا.

يتسم الإسرائيليون المحتلون، بالإضافة إلى الوقاحة، بطول النفس اللئيم

وبعد، هؤلاء الشبّان العرب، ممَّن أتَوْا بعد نهاية الحروب العربية الإسرائيلية، ليسوا منقطعين عن مغذِّيات الوعي، فهم جزء من حركة الشباب في العالم، حتى في أوروبا، والولايات المتحدة، الذين تبلغهم يوميًّا، عبر الإعلام الجديد، وغيره، فظاعات الاحتلال الصهيوني، ومستوطنيه، وشعارهم "الحرية لفلسطين"، وقوفًا مع المظلوم المجرَّد ليس فقط من فرص التكافؤ المادي، التسليحي، ولكن حتى من منابر إعلامية وأكاديمية تضاهي تلك الممنوحة لدولة الاحتلال.

وهؤلاء الشباب العرب، بعد، لم ينسلخوا عن وشائج ارتباطهم بفلسطين، بذاتها، ثقافيًّا، ودينيًّا؛ من قُدسيّة المسجد الأقصى المعرَّض للتهويد الممنهَج، والقدس بصفة عامة، كما أنهم لم يتلقَّوْا، في الأغلب الأعمّ، من آبائهم وأجدادهم، صورةً مغايرة عن فلسطين والتآمُر عليها، وخذلانها.

لذلك تتعالى هذه الالتفاتة القلبية لفلسطين، على تفاصيل الحالة الفلسطينية في جزء منها، كما هو شأن الجهات الرسمية المتصدّرة، بسوء أدائها، وهي، في الوقت نفسه، لا بد تستقوي وتضيء بتلك النماذج الشبابية الفلسطينية التي تشهدها مدن فلسطين، بتقديم أروع مواقف التضحية والإقدام، في تبادُلٍ فاعلٍ بين الصوت والصدى؛ صوت النضال في فلسطين يقابله الصدى التضامني العربي، وصوت التضامن الشعبي العربي يتلقَّاه الفلسطيني الصامد في أرضه، مزيدًا من العزيمة والشعور بالأصالة ورحابة الانتماء.

وأمَّا إلى الإسرائيليين المحتلين: الطبخة لم تنضج بعد، ولا ندري أي حطبٍ يُنضجها!

الكاتب أسامة عثمان
الكاتب أسامة عثمان
أسامة عثمان
كاتب فلسطيني
أسامة عثمان