دوافع الغرب لكسر روسيا

14 مارس 2022
+ الخط -

مرّت ثلاثة أسابيع على بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبدأت مختلف الأطراف تفكّر في مسار الأزمة ومآلاتها، واندفعت وسائل الإعلام العالمية والعربية إلى إثارة موضوعات كثيرة متفرّعة عن الأزمة، غير أنّ أحداً لم يفكر أو يسأل، لماذا نشبت الأزمة أصلاً؟ بعبارة أكثر دقة، لماذا افتعل الغرب أزمة مع روسيا بشأن أوكرانيا؟ وليس الهدف، بالطبع، مجرّد التعرف على دوافع الغرب، أو أسباب اندفاع روسيا إلى العمل العسكري، وإنما الغاية الأهم فهم كيف يفكّر العالم ويتصرّف، خصوصاً الولايات المتحدة التي تعد بحق اللاعب الرئيس في إشعال هذه الأزمة، فهي أزمة مصنوعة بامتياز، بل ومخطّطة مسبقاً، فالغرب هو الذي "تحرّش" بروسيا، وظلّ سنواتٍ يمعن في سياسة اختراق المجال الحيوي الروسي، حتى وصل إلى الحدود الروسية نفسها، وصارت موسكو مهدّدة بنشر صواريخ بإمكانها ضرب الكرملين. كما أنّ الغرب ظلّ أسابيع يروّج غزو موسكو أوكرانيا، وراح إعلام الغرب ومسؤولوه يُردّدون ذلك صباح مساء. حتى بدا الأمر كأنّ الخطاب الغربي، الأميركي تحديداً، لا يحذّر موسكو من الغزو، وإنّما يُحرّضها عليه.
وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الفخ، أو هكذا تظن واشنطن وشركاؤها في حلف شمال الأطلنطي، فقد بالغ بوتين في ردة الفعل، وسارع إلى التحرّك العسكري، في حين كان في وسعه الانتظار والتفاوض والتهديد والمناورة بأوراقٍ كثيرة لديه، العمل العسكري المباشر ليس إلا إحداها، غير أنّ حسابات موسكو ودوافع قرارها غزو أوكرانيا ربما تتجاوز المعطيات المباشرة المتعلقة بمساعي (أو بالأحرى نوايا) حلف الأطلنطي ضم أوكرانيا إليه، فالسياسات والقرارات الروسية المهمة تحت قيادة بوتين جديرة بتحليل وافٍ منفصل.
ولمّا كان العالم حالياً عالم مصالح لا أيديولوجيات، فإنّ استدراج الغرب موسكو نحو هذه الأزمة ليس إلّا لأهداف مصلحية. أولها وأهمها كسر شبكة الروابط الاقتصادية التي بنتها موسكو، ولا تزال مع قوى مختلفة في العالم، أخطرها بالنسبة للغرب هو التعاون مع أوروبا في مجال الطاقة. وهنا لا بد من الانتباه، فعند الحديث عن المصالح لا يكون الغرب واحداً، خصوصاً مع اختفاء (وانتهاء) التناقض الأيديولوجي بين الغرب والشرق، فهنا يكون ضرب أية ارتباطات روسية أوروبية مصلحة أميركية تحديداً. ويؤكد ذلك التحليل، الانقسام الأوروبي والتردّد في مجاراة التصعيد والتحريض الأميركي لموسكو. خصوصاً من ألمانيا، فهي المستفيد الأول من التعاون الطاقوي مع موسكو. ويزداد الأمر وضوحاً إذا تذكّرنا أنّ تشغيل خط أنابيب نورد ستريم كان وشيكاً لولا اندلاع هذه الأزمة. وبينما كان الموقف الأميركي، تحت رئاسة دونالد ترامب، يبتعد عن أوروبا، بل واقترب، في حالات كثيرة، من موسكو، فإنّ إدارة بايدن والعقل الديمقراطي عموماً، يتمسّك بارتباط أوروبي وثيق وعضوي بواشنطن.
لكن ماذا يضير واشنطن في تقارب روسي أوروبي، ما دامت الحرب الباردة انتهت، ولا محل للأيديولوجيا؟ الواقع أنّ واشنطن ليست متضرّرة من روسيا، ولا من الاتحاد الأوروبي، فالأوروبيون صاروا عبئاً أميركياً تتمنى واشنطن أن تتخلص منه، ويتولّى الأوروبيون إدارة أمنهم ومصالحهم بأنفسهم. بينما تمثل الطموحات الخارجية لموسكو وتوسيع نطاق نفوذها عبر مناطق مختلفة مصلحة أميركية غير مباشرة، إذ تتماشى مع التراجع الأميركي عن التدخلات المباشرة والانخراط العميق في أقاليم مثل الشرق الأوسط وأفريقيا.
الخشية الأميركية الكبرى ليست من الدب الروسي، وإنما من ذلك العملاق الأصفر القابع هناك في أقصى شرق آسيا... الصين، فمن دون فصم عرى الارتباط والتنسيق الروسي الصيني، تزداد مواجهة الصين صعوبة وتكلفة حتى تكاد تستحيل.
الغاية النهائية الأميركية، وبقدر ما الأوروبية، ليست ضد موسكو نفسها، وإنما فقط لتحجيمها وضمان عدم عودة القطب الأعظم الثاني مرّة أخرى، حتى تتمكّن واشنطن من التفرغ للصين التي بالتأكيد تصير أضعف بضعف موسكو.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.